رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع) - السدي علي خان المدني الشيرازي - ج ٣ - الصفحة ٣٣٧

____________________
ولما كان العدل أصل كل خير، وعليه مدار كل أمر، وبه قامت السماوات والأرض، وهو ميزان الله القسط في الدنيا والآخرة، قدمه في الطلب على سائر المكارم المطلوبة، اهتماما بشأنه وتنبيها على علو مكانه.
وهو إما بالقوة فهيئة نفسانية يطلب بها التوسط بين الإفراط والتفريط.
وإما بالفعل فالأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط.
فباعتبار الأول قيل: هو أصل الفضائل كلها، من حيث إن صاحبه يكتسب به جميع الفضائل.
وباعتبار الثاني قيل: هو الفضائل كلها، من حيث إنه لا يخرج شئ من الفضائل عنه.
وبيانه: أن الفضائل كلها ملكات متوسطة بين طرفي إفراط وتفريط، فالمتوسط منها هو العدل، كالحكمة النظرية المتوسطة بين الجربزة والغباوة، والعفة المتوسطة بين خمود الشهوة والفجور، والشجاعة المتوسط بين الجبن والتهور، والسخاء بين التبذير والبخل، والحلم بين المهانة والبطش، والتواضع بين الكبر والذل، والاقتصاد بين الإسراف والتقتير، والإنصاف بين الظلم والانظلام، وقس على ذلك سائر الأخلاق الفاضلة، فالأوساط بين هذه الأطراف المتضادة هي الفضائل، ولكل منها طرفا تفريط وإفراط وهما مذمومان، والخروج إلى أحدهما هو الجور الذي هو ضد العدل، والأطراف المتضادة هي الرذائل، ومن هنا قيل: خير الأمور أوسطها (1).
ثم هذا الحكم في العدل جار في باب العقائد أيضا، كالتوحيد المتوسط بين التعليل والشرك، والتعويل على الأمر بين الجبر والتفويض، وفي باب الأعمال، كأداء الواجبات والسنن المتوسط بين البطالة والترهب.

(٣٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 334 335 336 337 338 339 340 341 342 ... » »»
الفهرست