رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع) - السدي علي خان المدني الشيرازي - ج ٣ - الصفحة ٤٧٩
واجعل تقواك من الدنيا زادي، وإلى رحمتك رحلتي، وفي مرضاتك مدخلي، واجعل في جنتك مثواي، وهب لي قوة أحتمل بها جميع مرضاتك، واجعل فراري إليك، ورغبتي فيما عندك.
____________________
التقوى في اللغة: بمعنى الاتقاء، وهو اتخاذ الوقاية من المحذورات، وتاؤها منقلبة عن واو.
وعند أهل الحقيقة: هي الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته.
وقيل: هي وقاية النفس عما يضر في الآخرة من اعتقاد وعمل وخلق، وقد سبق الكلام عليها مبسوطا.
والزاد: الطعام الذي يتخذ للسفر، ولما كان الزاد إنما يعد لتقوى به الطبيعة على الحركات الحسية، وكانت تقوى الله تعالى مما تقوى به النفس على الوصول إلى جنابه المقدس، استعار لها لفظ الزاد، لما بين المعنيين من تمام المشابهة الذي يقرب معه اتحاد المتشابهين، وبحسب قوة المشابهة يكون حسن الاستعارة، وقد نطق التنزيل المجيد بهذه الاستعارة، حيث قال سبحانه: «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى» (1).
قال بعض العارفين: ليس السفر من الدنيا أهون من السفر في الدنيا، وهذا لا بد له من زاد، فكذا ذلك بل يزداد فإن زاد الدنيا يخلصك عن عذاب منقطع موهوم، وزاد الآخرة ينجيك من عذاب أبدي معلوم، زاد الدنيا يوصلك إلى متاع الغرور، وزاد الآخرة يبلغك دار السرور، زاد الدنيا سبب حظوظ النفس، وزاد الآخرة سبب الوصول إلى عتبة الجلال والقدس.
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى * وأبصرت بعد الموت من قد تزودا ندمت على أن لا تكون كمثله * وأنك لم ترصد كما كان أرصدا (2)

(١) سورة البقرة: الآية ١٩٧.
(٢) الجامع لأحكام القرآن: ج 2 ص 412.
(٤٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 473 474 475 477 478 479 480 481 483 484 485 ... » »»
الفهرست