رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع) - السدي علي خان المدني الشيرازي - ج ٣ - الصفحة ١٥٨
وإن كنت تغفر لي حين أستوجب مغفرتك، وتعفو عني حين أستحق عفوك، فإن ذلك غير واجب لي باستحقاق، ولا أنا أهل له باستيجاب، إذ كان جزائي منك في أول ما عصيتك النار، فإن تعذبني فأنت غير ظالم لي.
____________________
واستوجب الشيء: استحقه، من وجب الحق إذا لزم وثبت. والسيئة: أصلها سيوءه على فيعلة من ساء يسوؤه سوء ومساءة، قلبت الواو ياء كراهة اجتماعهما لجريانهما مجرى المثلين، وأدغمت في الياء قبلها. وهي من الصفات الغالبة تتناول جميع المعاصي صغرت أو كبرت.
وواحدة: صفة مفادها التوكيد كنفخة واحدة.
واعلم أن مفاد هذا الفصل من الدعاء نفي استيجاب العبد عفوه تعالى على كل حال، لأنه إذا انتفى مع ثبوت الأسباب والوسائل، التي هي فوق الجهد في التبتل والتضرع إليه تعالى، فانتفاؤه مع عدمها أولى، ف «لو» هنا للدلالة على أن الجزاء لازم الوجود دائما.
كنت: هنا تفيد الاستمرار والدوام، فإن كان تختص باستمرار خبرها لاسمها.
وأستوجب مغفرتك: أي استيجاب تفضل وكرم وإحسان، وكذلك قوله:
«حين أستحق»، فإنه سبحانه أوجب للعبد على نفسه قبول توبته تفضلا منه وكرما، كما قال تعالى: «إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب» (1)، فإن «على» هنا مفادها الوجوب، أي: واجبة على الله وجوب كرم، لا وجوبا يستحق بتركه الذم فالعبد بهذا الاعتبار يستوجب منه تعالى المغفرة ويستحق العفو، لا باعتبار أن ذلك له حق واجب استوجبه ويستحقه، فلا منافاة

(1) سورة النساء: الآية 17.
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست