بالشئ المسكوت عنه لشبهه بالشئ الذي أوجب الشرع له ذلك الحكم أو لعلة جامعة بينهما، ولذلك كان القياس الشرعي صنفين: قياس شبه، وقياس علة، والفرق بين القياس الشرعي واللفظ الخاص يراد به العام: ان القياس يكون على الخاص الذي أريد به الخاص فيلحق به غيره، أعني ان المسكوت عنه يلحق بالمنطوق به من جهة الشبه الذي بينهما لا من جهة دلالة اللفظ، لان الحاق المسكوت عنه بالمنطوق به من جهة تنبيه اللفظ ليس بقياس، وإنما هو من باب دلالة اللفظ، وهذان الصنفان يتقاربان جدا لأنهما الحاق مسكوت عنه بمنطوق به، وهما يلتبسان على الفقهاء كثيرا جدا. فمثال القياس الحاق شارب الخمر بالقاذف في الحد، والصداق بالنصاب في القطع. واما الحاق الربويات بالمقتات أو بالمكيل أو بالمطعوم من باب الخاص أريد به العام، فتأمل هذا فان فيه غموضا. والجنس الأول هو الذي ينبغي للظاهرية ان تنازع فيه. واما الثاني فليس ينبغي لها ان تنازع فيه لأنه من باب السمع، والذي يرد ذلك يرد نوعا من خطاب العرب. واما الفعل فإنه عند الأكثر من الطرق التي تتلقى منها الأحكام الشرعية، وقال قوم: الأفعال ليست تفيد حكما إذ ليس لها صيغ، والذين قالوا إنها تتلقى منها الاحكام اختلفوا في نوع الحكم الذي تدل عليه، فقال قوم: على الوجوب وقال قوم: تدل على الندب، والمختار عند المحققين انها ان أتت بيانا لمجمل واجب دلت على الوجوب، وان أتت بيانا لمجمل مندوب إليه دلت على الندب، وإن لم تأت بيانا لمجمل، فان كانت من جنس القربة دلت على الندب، وان كانت من جنس المباحات دلت على الإباحة، واما الاقرار فإنه يدل على الجواز، فهذه أصناف الطرق التي تتلقى منها الاحكام أو تستنبط.
واما الاجماع فهو مستند إلى أحد هذه الطرق الأربعة، الا انه إذا وقع في واحد منها ولم يكن قطعيا نقل الحكم من غلبة الظن إلى القطع، وليس الاجماع أصلا مستقلا بذاته من غير استناد إلى واحد من هذه الطرق، لأنه لو كان كذلك لكان يقتضى اثبات شرع زائد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان لا يرجع إلى أصل من الأصول المشروعة. واما المعاني المتداولة المتأدية من هذه الطرق اللفظية للمكلفين، فهي بالجملة: اما امر بشئ واما نهى عنه، واما تخيير فيه. والامر ان فهم منه الجزم وتعلق العقاب بتركه سمى واجبا، وان فهم منه الجزم وتعلق العقاب بالفعل سمى محرما ومحظورا، وان فهم منه الحث على تركه من غير تعلق عقاب بفعله سمى مكروها فتكون أصناف الأحكام الشرعية المتلقاة من هذا الطرق خمسة:
واجب، ومندوب ومحظور، ومكروه، ومخير فيه وهو المباح. واما أسباب الاختلاف بالجنس فستة، أحدها: تردد الألفاظ بين هذه الطرق الأربع: أعني بين أن يكون اللفظ عاما يراد به الخاص، أو خاصا يراد به العام، أو عاما يراد به العام، أو خاصا يراد به الخاص،