فمثال الأول قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) (1)، فإن المسلمين اتفقوا على أن لفظ الخنزير متناول لجميع أصناف الخنازير ما لم يكن مما يقال عليه الاسم بالاشتراك، مثل خنزير الماء، ومثال العام يراد به الخاص، قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) (2). فإن المسلمين اتفقوا على أن ليست الزكاة واجبة في جميع أنواع المال، ومثال الخاص يراد به العام قوله تعالى: (فلا تقل لهما أف) (3)، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فإنه يفهم من هذا تحريم الضرب والشتم وما فوق ذلك، وهذه إما أن يأتي المستدعي بها فعله بصيغة الامر، وإما أن يأتي بصيغة الخبر، يراد به الامر، وكذلك المستدعي تركه، إما أن يأتي بصيغة النهي، وإما أن يأتي بصيغة الخبر، يراد به النهي، وإذا أتت هذه الألفاظ بهذه الصيغ، فهل يحمل استدعاء الفعل بها على الوجوب أو على الندب على ما سيقال في حد الواجب والمندوب إليه، أو يتوقف حتى يدل الدليل على أحدهما؟ فيه بين العلماء خلاف مذكور في كتب أصول الفقه، وكذلك الحل في صيغ النهي هل تدل على الكراهية أو التحريم، أو لا تدل على واحد منهما؟ فيه الخلاف المذكور أيضا، والأعيان التي يتعلق بها الحك إما أن يدل عليها بلفظ يدل على معنى واحد فقط، وهو الذي يعرف في صناعة أصول الفقه بالنص، ولا خلاف في وجوب العمل به، وإما أن يدل عليها بلفظ يدل على أكثر من معنى واحد، وهذا قسمان: إما أن تكون دلالته على تلك المعاني بالسواء، وهو الذي يعرف في أصول الفقه بالمجمل، ولا خلاف في أنه لا يوجب حكما، وإما أن تكون دلالته على بعض تلك المعاني أكثر من بعض، وهذا يسمى بالإضافة إلى المعاني التي دلالته عليها أكثر ظاهرا، ويسمى بالإضافة إلى المعاني التي دلالته عليها أقل محتملا، وإذا ورد مطلقا حمل على تلك المعاني التي هو أظهر فيها حتى يقوم الدليل على حمله على حمله على المحتمل، فيعرض الخلاف للفقهاء في أقاويل الشارع، لكن ذلك من قبل ثلاث معان: من قبل الاشتراك في لفظ العين الذي علق به الحكم، ومن قبل الاشتراك في الألف والأم المقرونة بجنس تلك العين، هل أريد بها الكل أو البعض؟
ومن قبل الاشتراك الذي في ألفاظ الأوامر والنواهي، واما الطريق الرابع فهو ان يفهم من ايجاب الحكم لشئ ما نفى ذلك الحكم عما عدا ذلك الشئ أو من نفى الحكم عن شئ ما ايجابه لما عدا ذلك الشئ الذي نفى عنه، وهو الذي يعرف بدليل الخطاب، وهو أصل مختلف فيه مثل قوله عليه الصلاة والسلام: " في سائمة الغنم الزكاة "، فان قوما فهموا منه أن لا زكاة في غير السائمة، واما القياس الشرعي فهو الحاق الحكم الواجب لشئ ما بالشرع