اختلافهم في هذه المسألة: تعارض الآثار في هذا الباب والقياس، وذلك أن حديث عمران بن حصين يدل على أن المشركين ليس يملكون على المسلمين شيئا، وهو قال:
أغار المشركون على سرح المدينة وأخذوا العضباء ناقة رسول الله (ص) وامرأة من المسلمين، فلما كانت ذات ليلة قامت المرأة وقد ناموا، فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا أرغى حتى أتت ناقة ذلولا فركبتها ثم توجهت قبل المدينة ونذرت لئن نجاها الله لتنحرنها، فلما قدمت المدينة عرفت الناقة، فأتوا بها رسول الله (ص)، فأخبرته المرأة بنذرها، فقال: بئس ما جزيتها، لا نذر فيما لا يملك ابن آدم، ولا نذر في معصية وكذلك يدل ظاهر حديث ابن عمر على مثل هذا، وهو أنه أغار له فرس فأخذها العدو فظهر عليه المسلمون، فردت عليه في زمان رسول الله (ص) وهما حديثان ثابتان.
وأما الأثر الذي يدل على ملك الكفار على المسلمين فقوله عليه الصلاة والسلام وهل ترك لنا عقيل من منزل يعني أنه باع دوره التي كانت له بمكة بعد هجرته منها عليه الصلاة والسلام إلى المدينة. وأما القياس فإن من شبه الأموال بالرقاب قال: الكفار كما لا يملكون رقابهم فكذلك لا يملكون أموالهم كحال الباغي مع العادل، أعني أنه لا يملك عليهم الامرين جميعا، ومن قال: من ليس يملك فهو ضامن للشئ إن فاتت عينه، وقد أجمعوا على أن الكفار غير ضامنين لاموا المسلمين، فلزم عن ذلك أن الكفار ليسوا بغير مالكين للأموال فهم مالكون، إذ لو كانوا غير مالكين لضمنوا. وأما من فرق بين الحكم قبل الغنم وبعده، وبين ما أخذه المشركون بغلبة أو بغير غلبة بأن صار إليهم من تلقائه مثل العبد الآبق والفرس العائد فليس له حظ من النظر، وذلك أنه ليس يجد وسطا بين أن يقول إما أن يملك المشرك على المسلم شيئا أو لا يملكه إلا أن يثبت في ذلك دليل سمعي، لكن أصحاب هذا المذهب إنما صاروا إليه لحديث الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس أن رجلا وجد بعيرا له كان المشركون قد أصابوه، فقال رسول الله (ص): إن أصبته قبل أن يقسم فهو لك، وإن أصبته بعد القسم أخذته بالقيمة. لكن الحسن بن عمارة مجتمع على ضعفه وترك الاحتجاج به عند أهل الحديث، والذي عول عليه مالك فيما أحسب من ذلك هو قضاء عمر بذلك، ولكن ليس يجعل له أخذه بالثمن بعد القسم على ظاهر حديثه. واستثناء أبي حنيفة أم الولد والمدبر من سائر الأموال لا معنى له، وذلك أنه يرى أن الكفار يملكون على المسلمين سائر الأموال ما عدا هذين، وكذلك قول مالك في أم الولد إنه إذا أصابها مولاها بعد القسم أن على الامام أن يفديها فإن لم يفعل أجبر سيدها على فدائها، فإن لم يكن له مال أعطيت له، واتبعه الذي أخرجت في نصيبه بقيمتها دينا متى أيسر، هو قول أيضا ليس له حظ من النظر، لأنه إن لم يملكها الكفار فقد يجب أن يأخذها بغير ثمن، وإن ملكوها فلا