افتتحت في أيامه عنوة من أر ض العراق ومصر. فمن رأى أن الآيتين متواردتان على معنى واحد وأن آية الحشر مخصصة لآية الأنفال استثنى من ذلك الأرض، ومن رأى أن الآيتين ليستا متواردتين على معنى واحد، بل رأى أن آية الأنفال في الغنيمة وآية الحشر في الفئ على ما هو الظاهر من ذلك قال: تخمس الأرض ولا بد ولا سيما أنه قد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قسم خيبر بين الغزاة. قالوا: فالواجب أن تقسم الأرض لعموم الكتاب وفعله عليه الصلاة والسلام الذي يجري مجرى البيان للمجمل فضلا عن العام. وأما أبو حنيفة فإنما ذهب إلى التخيير بين القسمة وبين أن يقر الكفار فيها على خراج يؤدونه، لأنه زعم أنه قد روي أن رسول الله (ص) أعطى خيبر بالشطر ثم أرسل ابن رواحة فقاسمهم قالوا: فظهر من هذا أن رسول الله (ص) لم يكن قسم جميعها ولكنه قسم طائفة من الأرض وترك طائفة لم يقسمها، قالوا: فبان بهذا أن الامام بالخيار بين القسمة والاقرار بأيديهم، وهو الذي فعل عمر رضي الله عنه. وإن أسلموا بعد الغلبة عليهم كان مخيرا بين المن عليهم أو قسمتها على ما فعل رسول الله (ص) بمكة: أعني من المن، وهذا إنما يصح على رأي من رأى أنه افتتحها عنوة، فإن الناس اختلفوا في ذلك وإن كان الأصح أنه افتتحها عنوة لأنه الذي خرجه مسلم. وينبغي أن تعلم أن قول من قال: إن آية الفئ وآية الغنيمة محمولتان على الخيار، وأن آية الفئ ناسخة لآية الغنيمة أو مخصصة لها أنه قول ضعيف جدا إلا أن يكون اسم الفئ والغنيمة يدلان على معنى واحد، فإن كان ذلك فالآيتان متعارضتان، لان آية الأنفال توجب التخميس، وآية الحشر توجب القسمة دون التخميس فوجب أن تكون إحداهما ناسخة للأخرى أو يكون الامام مخيرا بين التخميس وترك التخميس، وذلك في جميع الأموال المغنومة. وذكر بعض أهل العلم أنه مذهب لبعض الناس وأظنه حكاه عن المذهب ويجب على مذهب من يريد أن يستنبط من الجمع بينهما ترك قسمة الأرض وقسمة ما عدا الأرض أن تكون كل واحدة من الآيتين مخصصة بعض ما في الأخرى أو ناسخة له حتى تكون آية الأنفال خصصت من عموم آية الحشر ما عدا الأرضين فأوجبت فيها الخمس، وآية الحشر خصصت من آية الأنفال الأرض فلم توجب فيها خمسا، وهذا لدعوى لا تصح إلا بدليل مع أن الظاهر من آية الحشر أنها تضمنت القول في نوع من الأموال مخالف الحكم للنوع الذي تضمنته آية الأنفال وذلك أن قوله تعالى: * (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) * هو تنبيه على العلة التي من أجلها لم يوجب حق للجيش خاصة دون الناس، والقسمة بخلاف ذلك إذ كانت تؤخذ بالايجاف.
(٣٢٢)