الكلب في المشهور عنه، وذلك كما قلنا لمعارضة ذلك القياس له، ولأنه ظن أيضا أنه إن فهم منه أن الكلب نجس العين عارضه ظاهر الكتاب وهو قوله تعالى: * (فكلوا مما أمسكن عليكم) * يريد أنه لو كان نجس العين لنجس الصيد بمماسته، وأيد هذا التأويل بما جاء في غسله من العدد والنجاسات ليس يشترط في غسلها العدد، فقال، إن هذا الغسل إنما هو عبادة، ولم يعرج على سائر تلك الآثار لضعفها عنده. وأما الشافعي فاستثنى الكلب من الحيوان الحي ورأي أن ظاهر هذا الحديث يوجب نجاسة سؤره، وأن لعابه هو النجس لا عينه فيما أحسب، وأنه يجب أن يغسل الصيد منه وكذلك استثنى الخنزير لمكان الآية المذكورة وأما أبو حنيفة فإنه زعم أن المفهوم من تلك الآثار الواردة بنجاسة سؤر السباع، والهر، والكلب هو من قبل تحريم لحومها، وأن هذا من باب الخاص أريد به العام، فقال: الأسئار تابعة للحوم الحيوان وأما بعض الناس فاستثنى من ذلك الكلب والهر والسباع على ظاهر الأحاديث الواردة في ذلك. وأما بعضهم فحكم بطهارة سؤر الكلب والهر، فاستثنى من ذلك السباع فقط، وأما سؤر الكلب فللعدد المشترط في غسله، ولمعارضة ظاهر الكتاب له، ولمعارضة حديث أبي قتادة له، إذ علل عدم نجاسة الهرة من قبل أنها من الطوافين والكلب طواف. وأما الهرة فمصيرا إلى ترجيح حديث أبي قتادة على حديث قرة عن ابن سيرين وترجيح حديث ابن عمر على حديث عمر، وما ورد في معناه لمعارضة حديث أبي قتادة له بدليل الخطاب، وذلك أنه لما علل عدم النجاسة في الهرة بسبب الطواف، فهم منه أن ما ليس بطواف، وهي السباع، فأسآرها محرمة، وممن ذهب هذا المذهب ابن القاسم. وأما أبو حنيفة فقال كما قلنا بنجاسة سؤر الكلب، ولم ير العدد في غسله شرطا في طهارة الاناء الذي ولغ فيه لأنه عارض ذلك عنده القياس في غسل النجاسات، أعني أن المعتبر فيها إنما هو إزالة العين فقط، وهذا على عادته في رد أخبار الآحاد لمكان معارضة الأصول لها. قال القاضي: فاستعمل من هذا الحديث بعضا - ولم يستعمل بعضا، أعني أنه استعمل منه ما لم تعارضه عنده الأصول، ولم يستعمل ما عارضته منه الأصول وعضد ذلك بأنه مذهب أبي هريرة الذي روى الحديث. فهذه هي الأشياء التي حركت الفقهاء إلى هذا الاختلاف الكثير في هذه المسألة، وقادتهم إلى الافتراق فيها. والمسألة اجتهادية محضة يعسر أن يوجد فيها ترجيح، ولعل الأرجح أن يستثنى من طهارة أسئار الحيوان الكلب، والخنزير والمشرك لصحة الآثار الواردة في الكلب، ولان ظاهر الكتاب أولى أن يتبع في القول بنجاسة عين الخنزير، والمشرك من القياس، وكذلك ظاهر الحديث، وعليه أكثر الفقهاء أعني على القول بنجاسة سؤر الكلب، فإن الامر بإراقة ما
(٢٨)