فالأسئار طاهرة. وأما سؤر المشرك: فقيل إنه نجس، وقيل إنه مكروه إذا كان يشرب الخمر، وهو مذهب ابن القاسم، وكذلك عنده جميع أسئار الحيوانات التي لا تتوقى النجاسة غالبا مثل الدجاج المخلاة والإبل الجلالة والكلاب المخلاة. وسبب اختلافهم في ذلك هو ثلاثة أشياء: أحدها: معارضة القياس لظاهر الكتاب. والثاني: معارضته لظاهر الآثار. والثالث:
معارضة الآثار بعضها بعضا في ذلك. أما القياس فهو أنه لما كان الموت من غير ذكاة هو سبب نجاسة عين الحيوان بالشرع وجب أن تكون الحياة هي سبب طهارة عين الحيوان، وإذا كان ذلك كذلك، فكل حي طاهر العين، وكل طاهر العين فسؤره طاهر. وأما ظاهر الكتاب، فإنه عارض هذا القياس في الخنزير والمشرك، وذلك أن الله تعالى يقول في الخنزير: * (فإنه رجس) * وما هو رجس في عينه فهو نجس لعينه، ولذلك استثنى قوم من الحيوان الحي الخنزير فقط، ومن لم يستثنه حمل قوله * (رجس) * على جهة الذم له.
وأما المشرك ففي قوله تعالى: * (إنما المشركون نجس) * فمن حمل هذا أيضا على ظاهره، استثنى من مقتضى ذلك في القياس المشركين، ومن أخرجه مخرج الذم لهم طرد قياسه. وأما الآثار فإنها عارضت هذا القياس في الكلب، والهر والسباع: أما الكلب فحديث أبي هريرة المتفق على صحته، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، وليغسله سبع مرات وفي بعض طرقه أولاهن بالتراب وفي بعضها: وعفروه الثامنة بالتراب. وأما الهر فما رواه قرة عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): طهور الاناء إذا ولغ في الهر أن يغسل مرة أو مرتين وقرة ثقة عند أهل الحديث. وأما السباع فحديث ابن عمر المتقدم عن أبيه قال: سئل رسول الله (ص) عن الماء، وما ينوبه من السباع والدواب؟ فقال: إن كان الماء قلتين لم يحمل خبثا. وأما تعارض الآثار في هذا الباب، فمنها أنه روي عنه: أنه سئل (ص) عن الحياض التي بين مكة، والمدينة تردها الكلاب والسباع؟ فقال: لها ما حملت في بطونها، ولكم ما غير شرابا، وطهورا. ونحو هذا حديث عمر الذي رواه مالك في موطئه، يا وهو قوله: يا صاحب الحوض لا تخبرنا، فإنا نرد على السباع، وترد علينا. وحديث أبي قتادة أيضا الذي خرجه مالك أن كبشة سكبت له وضوءا فجاءت هرة لتشرب منه، فأصغى لها الاناء حتى شربت، ثم قال إن رسول الله (ص) قال: إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم، أو الطوافات. فاختلف العلماء في تأويل هذه الآثار، ووجه جمعها مع القياس المذكور، فذهب مالك بالأمر بإراقة سؤر الكلب، وغسل الإناء منه إلى أن ذلك عبادة غير معللة، وأن الماء الذي يلغ فيه ليس بنجس، ولم ير إراقة ما عدا الماء من الأشياء التي يلغ فيها