فلا وضوء عليه إلا أن يطول ذلك به واختلف القول في مذهبه في الراكع فمرة قال حكمه حكم القائم، ومرة قال حكمه حكم الساجد. وأما الشافعي فقال: على كل نائم كيفما نام الوضوء إلا على من نام جالسا وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا وضوء إلا على من نام مضطجعا. وأصل اختلافهم في هذه المسألة: اختلاف الآثار الواردة في ذلك، وذلك أن هاهنا أحاديث يوجب ظاهرها أنه ليس في النوم وضوء أصلا، كحديث ابن عباس: أن النبي (ص) دخل على ميمونة، فنام عندها حتى سمعنا غطيطه، ثم صلى، ولم يتوضأ وقوله عليه الصلاة والسلام: إذا نعس أحدكم في الصلاة، فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإنه لعله يذهب أن يستغفر ربه، فيسب نفسه وما روي أيضا: أن أصحاب النبي (ص) كانوا ينامون في المسجد حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلون ولا يتوضأون وكلها آثار ثابتة، وها هنا أيضا أحاديث يوجب ظاهرها أن النوم حدث، وأبينها في ذلك حديث صفوان بن عسال، وذلك أنه قال: كنا في سفر مع النبي (ص) فأمرنا أن لا ننزع خفافنا من غائط، وبول، ونوم، ولا ننزعها إلا من جنابة فسوى بين البول، والغائط والنوم، صححه الترمذي. ومنها حديث أبي هريرة المتقدم وهو قوله عليه الصلاة والسلام: إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن ظاهره أن النوم يوجب الوضوء قليله وكثيره، وكذلك يدل ظاهر آية الوضوء عند من كان عنده المعنى في قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * أي إذا قمتم من النوم على ما روي عن زيد بن أسلم، وغيره من السلف، فلما تعارضت ظواهر هذه الآثار، ذهب العلماء فيها مذهبين: مذهب الترجيح، ومذهب الجمع. فمن ذهب مذهب الترجيح، إما أسقط وجوب الوضوء من النوم أصلا على ظاهر الأحاديث التي تسقطه، وإما أوجبه من قليله وكثيره على ظاهر الأحاديث التي تسقطه أيضا، أعني على حسب ما ترجح عنده من الأحاديث الموجبة، أو من الأحاديث المسقطة. ومن ذهب مذهب الجمع حمل الأحاديث الموجبة للوضوء منه على الكثير، والمسقطة للوضوء على القليل، وهو كما قلنا مذهب الجمهور، والجمع أولى من الترجيح ما أمكن الجمع عند أكثر الأصوليين. وأما الشافعي، فإنما حملها على أن المستثنى من هيئات النائم الجلوس فقط، لأنه قد صح ذلك عن الصحابة، أعني أنهم كانوا ينامون جلوسا، ولا يتوضأون ويصلون، وإنما أوجبه أبو حنيفة في النوم في الاضطجاع فقط لان ذلك، ورد في حديث مرفوع، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قال: إنما الوضوء على من نام مضطجعا والرواية بذلك ثابتة عن عمر. وأما مالك فلما كان النوم عنده إنما ينقض الوضوء من حيث كان غالبا سببا للحدث، راعى فيه ثلاثة أشياء: الاستثقال، أو الطول أو
(٣٣)