المسجد، وأن مباشرة النساء إنما حرمت على المعتكف، إذا اعتكف في المسجد وإلا ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن المرأة إنما تعتكف في مسجد بيتها. وسبب اختلافهم في اشتراط المسجد، أو ترك اشتراطه: هو الاحتمال الذي في قوله تعالى: * (ولا تباشر وهن وأنتم عاكفون في المساجد) * بين أن يكون له دليل خطاب. أم لا يكون له؟ فمن قال له دليل خطاب، قال: لا اعتكاف إلا في مسجد، وإن من شرط الاعتكاف ترك المباشرة، ومن قال: ليس له دليل خطاب، قال: المفهوم منه أن الاعتكاف جائز في غير المسجد، وأنه لا يمنع المباشرة، لان قائلا، لو قال: لا تعط فلانا شيئا، إذا كان داخلا في الدار، لكن مفهوم دليل الخطاب يوجب أن تعطيه، إذا كان خارج الدار، ولكن هو قول شاذ. والجمهور:
على أن العكوف إنما أضيف إلى المساجد، لأنها من شرطه. وأما سبب اختلافهم في تخصيص بعض المساجد، أو تعميمها، فمعارضة العموم للقياس المخصص له، فمن رجح العموم قال: في كل مسجد على ظاهر الآية، ومن انقدح له تخصيص بعض المساجد من ذلك العموم بقياس، اشترط أن يكون مسجدا فيه جمعة لئلا ينقطع عمل المعتكف بالخروج إلى الجمعة، أو مسجدا تشد إليه المطي، مثل مسجد النبي (ص) الذي وقع فيه اعتكافه، ولم يقس سائر المساجد عليه، إذ كانت غير مساوية له في الحرمة. وأما سبب اختلافهم في اعتكاف المرأة: فمعارضة القياس أيضا للأثر، وذلك أنه ثبت أن حفصة، وعائشة، وزينب أزواج النبي (ص)، استأذن رسول الله (ص) في الاعتكاف في المسجد، فأذن لهن حين ضربن أخبيتهن فيه فكان هذا الأثر دليلا على جواز اعتكاف المرأة في المسجد. وأما القياس المعارض لهذا، فهو قياس الاعتكاف على الصلاة، وذلك أنه لما كانت صلاة المرأة في بيتها أفضل منها في المسجد على ما جاء في الخبر، وجب أن يكون الاعتكاف في بيتها أفضل، قالوا: وإنما يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد مع زوجها فقط. على نحو ما جاء في الأثر من اعتكاف أزواجه عليه الصلاة والسلام معه، كما تسافر معه، ولا تسافر مفردة، وكأنه نحو من الجمع بين القياس، والأثر. وأما زمان الاعتكاف، فليس لأكثره عندهم حد واجب، وإن كان كلهم يختار العشر الأواخر من رمضان، بل يجوز الدهر كله: إما مطلقا عند من لا يرى الصوم من شروطه، وإما ما عدا الأيام التي لا يجوز صومها عند من يرى الصوم من شروطه. وأما أقله، فإنهم اختلفوا فيه: وكذلك اختلفوا في الوقت الذي يدخل فيه المعتكف لاعتكافه، وفي الوقت الذي يخرج فيه منه، أما أقل زمان الاعتكاف، فعند الشافعي، وأبي حنيفة، وأكثر الفقهاء أنه لاحد له. واختلف عن مالك في ذلك، فقيل ثلاثة أيام، وقيل: يوم، وليلة. وقال ابن القاسم عنه: أقله عشرة أيام. وعند البغدادين من أصحابه أن