بعدها، ولذلك تردد المذهب في الصلاة قبلها إذا صليت في المسجد، لكون دليل الفعل معارضا في ذلك القول: أعني أنه من حيث هو داخل في مسجد، يستحب له الركوع، ومن حيث هو مصل صلاة العيد، يستحب له أن لا يركع تشبها بفعله عليه الصلاة والسلام.
ومن رأى أن ذلك من باب الرخصة، ورأي أن اسم المسجد ينطلق على المصلى، ندب إلى التنفل قبلها، ومن شبهها بالصلاة المفروضة استحب التنفل قبلها وبعدها كما قلنا. ورأي قوم أن التنفل قبلها وبعدها من باب المباح الجائز، لا من باب المندوب ولا من باب المكروه، وهو أقل اشتباها، إن لم يتناول اسم المسجد المصلى. واختلفوا في وقت التكبير في عيد الفطر بعد أن أجمع على استحبابه الجمهور لقوله تعالى: * (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) * فقال جمهور العلماء: يكبر عند الغدو إلى الصلاة، وهو مذهب ابن عمر، وجماعة من الصحابة والتابعين، وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور . وقال قوم يكبر من ليلة الفطر، إذا رأوا الهلال حتى يغدو إلى المصلى، وحتى يخرج الامام، وكذلك في ليلة الأضحى عندهم، إن لم يكن حاجا وروي عن ابن عباس إنكار التكبير جملة، إلا إذا كبر الامام. واتفقوا أيضا على التكبير في أدبار الصلوات أيام الحج، واختلفوا في توقيت ذلك اختلافا كثيرا فقال قوم: يكبر من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق، وبه قال سفيان، وأحمد وأبو ثور. وقيل يكبر من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وهو قول مالك والشافعي، وقال الزهري:
مضت السنة أن يكبر الامام في الأمصار دبر صلاة الظهر من يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق.
وبالجملة، فالخلاف في ذلك كثير، حكى ابن المنذر فيها عشرة أقوال. وسبب اختلافهم في ذلك: هو أنه نقلت بالعمل، ولم ينقل في ذلك قول محدود. فلما اختلفت الصحابة في ذلك، اختلف من بعدهم. والأصل في هذا الباب قوله تعالى: * (واذكروا الله في أيام معدودات) * فهذا الخطاب وإن كان المقصود به أولا أهل الحج، فإن الجمهور رأوا أنه يعم أهل الحج وغيرهم، وتلقي ذلك بالعمل وإن كانوا اختلفوا في التوقيت في ذلك، ولعل التوقيت في ذلك على التخيير، لأنهم كلهم أجمعوا على التوقيت، واختلفوا فيه. وقال قوم: التكبير دبر الصلاة في هذه الأيام، إنما هو لمن صلى في جماعة. وكذلك اختلفوا في صفة التكبير في هذه الأيام، فقال مالك والشافعي يكبر ثلاثا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وقيل يزيد بعد هذا لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير. وروي عن ابن عباس أنه يقول: الله أكبر كبيرا ثلاث مرات، ثم