الصحيح. التخفيف والرخصة، ورفع الحرج، لا أن القصر هو الواجب، ولا أنه سنة. وأما الأثر الذي يعارض بصيغته المعنى المعقول ومفهوم هذه الآثار، فحديث عائشة الثابت باتفاق قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر. وأما دليل الفعل الذي يعارض المعنى المعقول، ومفهوم الأثر المنقول فإنه ما نقل عنه عليه الصلاة والسلام من قصر الصلاة في كل أسفاره، وأنه لم يصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه أتم الصلاة قط. فمن ذهب إلى أنه سنة، أو واجب مخير، فإنما حمله على ذلك أنه لم يصح عنده أن النبي عليه الصلاة والسلام، أتم الصلاة، وما هذا شأنه فقد يجب أن يكون أحد الوجهين: أعني إما واجبا مخيرا، وإما أن يكون سنة، وإما أن يكون فرضا معينا، لكن كونه فرضا معينا يعارضه المعنى المعقول، وكونه رخصة يعارضه اللفظ المنقول، فوجب أن يكون واجبا مخيرا، أو سنة وكان هذا نوعا من طريق الجمع، وقد اعتلوا لحديث عائشة بالمشهور عنها من أنها كانت تتم، وروى عطاء عنها: أن النبي (ص) كان يتم الصلاة في السفر، ويقصر، ويصوم ويفطر، ويؤخر الظهر، ويعجل العصر، ويؤخر المغرب، ويعجل العشاء. ومما يعارضه أيضا حديث أنس، وأبي نجيح المكي قال: اصطحبت أصحاب محمد (ص)، فكان بعضهم يتم، وبعضهم يقصر، وبعضهم يصوم، وبعضهم يفطر، فلا يعيب هؤلاء على هؤلاء، ولا هؤلاء على هؤلاء. ولم يختلف في إتمام الصلاة عن عثمان وعائشة، فهذا هو اختلافهم في الموضع الأول. أما اختلافهم في الموضع الثاني: وهي المسافة التي يجوز فيها القصر، فإن العلماء اختلفوا في ذلك أيضا اختلافا كثيرا فذهب مالك والشافعي وأحمد وجماعة كثيرة إلى أن الصلاة تقصر في أربعة برد وذلك مسيرة يوم بالسير الوسط، وقال أبو حنيفة، وأصحابه، والكوفيون: أقل ما تقصر فيه الصلاة ثلاثة أيام، وإن القصر إنما هو لمن سار من أفق إلى أفق، وقال أهل الظاهر:
القصر في كل سفر قريبا أو بعيدا. والسبب في اختلافهم: معارضة المعنى المعقول من ذلك اللفظ. وذلك أن المعقول من تأثير السفر في القصر أنه لمكان المشقة الموجودة فيه مثل تأثيره في الصوم، وإذا كان الامر على ذلك، فيجب القصر حيث المشقة. وأما من لا يراعي في ذلك إلا اللفظ فقط فقال قد قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة فكل من انطلق عليه اسم مسافر جاز له القصر، والفطر، وأيدوا ذلك بما رواه مسلم عن عمر بن الخطاب: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقصر في نحو السبعة عشر ميلا وذهب قوم إلى خامس كما قلنا، وهو أن القصر لا يجوز إلا للخائف، لقوله تعالى: * (إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) * وقد قيل إنه مذهب