الفقهاء إلى أنه يؤمن كالمأموم سواء وهي رواية المدنيين عن مالك. وسبب اختلافهم: أن في ذلك حديثين متعارضي الظاهر: أحدهما: حديث أبي هريرة المتفق عليه في الصحيح أنه قال: قال رسول الله (ص): إذا أمن الامام فأمنوا والحديث الثاني ما خرجه مالك عن أبي هريرة أيضا أنه قال عليه الصلاة والسلام: إذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين. فأما الحديث الأول، فهو نص في تأمين الامام. وأما الحديث الثاني، فيستدل منه على أن الامام لا يؤمن، وذلك أنه لو كان يؤمن لما أمر المأموم بالتأمين عند الفراغ من أم الكتاب قبل أن يؤمن الامام، لان الامام كما قال عليه الصلاة والسلام: إنما جعل الامام ليؤتم به إلا أن يخص هذا من أقوال الامام: أعني أن يكون للمأموم أن يؤمن معه، أو قبله، فلا يكون فيه دليل على حكم الامام في التأمين، ويكون إنما تضمن حكم المأموم فقط، ولكن الذي يظهر أن مالكا ذهب مذهب الترجيح للحديث الذي رواه لكون السامع هو المؤمن لا الداعي، وذهب الجمهور لترجيح الحديث الأول، لكونه نصا، ولأنه ليس فيه شئ من حكم الامام، وإنما الخلاف بينه، وبين الحديث الاخر في موضع تأمين المأموم فقط، لا في هل يؤمن الامام، أو لا يؤمن فتأمل هذا. ويمكن أيضا أن يتأول الحديث الأول بأن يقال: إن معنى قوله فإذا أمن الامام فأمنوا أي فإذا بلغ موضع التأمين. وقد قيل: إن التأمين هو الدعاء، وهذا عدول عن الظاهر لشئ غير مفهوم من الحديث إلا بقياس: أعني أن يفهم من قوله: فإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأمنوا، أنه لا يؤمن الامام. وأما متى يكبر الامام، فإن قوما قالوا: لا يكبر إلا بعد تمام الإقامة واستواء الصفوف، وهو مذهب مالك والشافعي وجماعة وقوم قالوا: إن موضع التكبير هو قبل أن يتم الإقامة، واستحسنوا تكبيره عند قول المؤذن قد قامت الصلاة، وهو مذهب أبي حنيفة والثوري، وزفر. وسبب الخلاف في ذلك: تعارض ظاهر حديث أنس وحديث بلال: أما حديث أنس، فقال: أقبل علينا رسول الله (ص) قبل أن يكبر في الصلاة فقال: أقيموا صفوفكم، وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري وظاهر هذا أن الكلام منه كان بعد الفراغ من تمت الإقامة، واستوت الصفوف حينئذ يكبر. وأما حديث بلال، فإنه روى: أنه كان يقيم للنبي (ص)، فكان يقول له: يا رسول الله لا تسبقني بآمين خرجه الطحاوي قالوا فهذا يدل على أن رسول الله (ص) كان يكبر، والإقامة لم تتم. وأما اختلافهم في الفتح على الامام إذا ارتج عليه، فإن مالكا والشافعي وأكثر العلماء أجازوا الفتح عليه ومنع ذلك الكوفيون. وسبب الخلاف في ذلك: اختلاف الآثار، وذلك أنه روي: أن رسول الله (ص) تردد في آية، فلما انصرف قال: أين أبي ألم يكن في القوم؟ أي يريد الفتح عليه، وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا يفتح على الامام. والخلاف في ذلك في الصدر الأول، والمنع
(١١٩)