لحديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والامام يخط ب فقد لغوت. وأما من لم يوجبه، فلا أعلم لهم شبهة إلا أن يكونوا يرون أن هذا الأمة قد عارضه دليل الخطاب في قوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) * أي أن ما عدا القرآن، فليس يجب له الانصات، وهذا فيه ضعف والله أعلم. والأشبه أن يكون هذا الحديث لم يصلهم. وأما اختلافهم في رد السلام وتشميت العاطس: فالسبب فيه تعارض عموم الامر بذلك لعموم الامر بالانصات، واحتمال أن يكون كل واحد منهما مستثنى من صاحبه، فمن استثنى من عموم الامر بالصمت يوم الجمعة الامر بالسلام وتشميت العاطس أجازهما، ومن استثنى من عموم الامر برد السلام والتشميت الامر بالصمت في حين الخطبة لم يجز ذلك، ومن فرق، فإنه استثنى رد السلام من النهي عن التكلم في الخطبة، واستثنى من عموم الامر التشميت وقت الخطبة، وإنما ذهب واحد واحد من هؤلاء إلى واحد واحد من هذه المستثنيات لما غلب على ظنه من قوة العموم في أحدها، وضعفه في الاخر، وذلك أن الامر بالصمت هو عام في الكلام خاص في الوقت، والامر برد السلام، والتشميت هو عام في الوقت خاص في الكلام، فمن استثنى الزمن الخاص من الكلام العام لم يجز رد السلام، ولا التشميت في وقت الخطبة، ومن استثنى الكلام الخاص من النهي عن الكلام العام، أجاز ذلك.
والصواب ألا يصار لاستثناء أحد العمومين بأحد الخصوصين إلا بدليل، فإن عسر ذلك فبالنظر في ترجيح العمومات والخصوصات، وترجيح تأكيد الأوامر بها، والقول از أنه إن كانت الأوامر قوتها واحدة، والعمومات والخصوصات قوتها واحدة ولم يكن هناك دليل على أي يستثنى من أي وقع التمانع ضرورة، وهذا يقل وجوده، وإن لم يكن فوجه الترجيح في العمومات والخصوصات الواقعة في أمثال هذه المواضع هو النظر إلى جميع أقسام النسب الواقعة بين الخصوصين والعمومين، وهي أربع: عمومان في مرتبة واحدة من القوة، وخصوصان في مرتبة واحدة من القوة، فهذا لا يصار لاستثناء أحدهما إلا بدليل. الثاني: مقابل هذا، وهو خصوص في نهاية القوة، وعموم في نهاية الضعف فهذا يجب أن يصار إليه، ولا بد، أعني أن يستثنى من العموم الخصوص. الثالث: خصوصان في مرتبة واحدة، وأحد العمومين أضعف من الثاني، فهذا ينبغي أن يخصص فيه العموم الضعيف. الرابع: عمومان في مرتبة واحدة، وأحد الخصوصين أقوى من الثاني، فهذا يجب أن يكون الحكم فيه للخصوص القوي، وهذا كله إذا تساوت الأوامر فيها في مفهوم التأكيد، فإن اختلفت، حدثت من ذلك تراكيب مختلفة