السائب بن يزيد أنه قال: لم يكن يوم الجمعة لرسول الله (ص) إلا مؤذن واحد وروي أيضا عن سعيد بن المسيب أنه قال: كان الأذان يوم الجمعة على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر وعمر أذانا واحدا حين يخرج الامام، فلما كان زمان عثمان، وكثر الناس، فزاد الأذان الأول ليتهيأ الناس للجمعة وروى ابن حبيب: أن المؤذنين كانوا يوم الجمعة على عهد رسول الله (ص) ثلاثة. فذهب قوم إلى ظاهر ما رواه البخاري، وقالوا: يؤذن يوم الجمعة مؤذنان وذهب آخرون إلى أن المؤذن واحد، فقالوا: إن معنى قوله: فلما كان زمان عثمان، وكثر الناس، زاد النداء الثالث أن النداء الثاني هو الإقامة، وأخذ آخرون بما رواه ابن حبيب، وأحاديث ابن حبيب عند أهل الحديث ضعيفة ولا سيما فيما انفرد به. وأما شروط الوجوب والصحة المختصة بيوم الجمعة، فاتفق الكل على أن من شرطها الجماعة، واختلفوا في مقدار الجماعة، فمنهم من قال: واحد مع الامام، وهو الطبري، ومنهم من قال: اثنان سوى الامام. ومنهم من قال: ثلاثة دون الامام، وهو قول أبي حنيفة، ومنهم من اشترط أربعين: وهو قول الشافعي، وأحمد وقال قوم ثلاثين. ومنهم من لم يشترط عددا، ولكن رأى أنه يجوز بما دون الأربعين ولا يجوز بالثلاثة، والأربعة، وهو مذهب مالك، وحدهم بأنهم الذين يمكن أن تتقرى بهم قرية. وسبب اختلافهم في هذا: اختلافهم في أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع هل ذلك ثلاثة، أو أربعة، أو اثنان، وهل الامام داخل فيهم أليس بداخل فيهم؟ وهل الجمع المشترط في هذه الصلاة هو أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع في غالب الأحوال؟ وذلك هو أكثر من الثلاثة والأربعة. فمن ذهب إلى أن الشرط في ذلك هو أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع، وكان عنده أن أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع اثنان، فإن كان ممن يعد الامام في الجمع المشترط في ذلك، قال تقوم الجمعة باثنين: الامام، وواحد ثان، وإن كان ممن لا يرى أن يعد الامام في جملتهم، قال: بثلاثة سوى الامام، وإن كان ممن يعد الامام في جملتهم وافق قول من قال: أقل الجمع اثنان، ولم يعد الامام في جملتهم. وأما من راعى ما ينطلق عليه في الأكثر، والعرف المستعمل اسم الجمع، قال: لا تنعقد بالاثنين، ولا بالأربعة، ولم يحد في ذلك حدا. ولما كان من شرط الجمعة الاستيطان عنده حد هذا الجمع بالقدر من الناس الذين يمكنهم أن يسكنوا على حدة من الناس، وهو مالك رحمه الله. وأما من اشترط الأربعين، فمصيرا إلى ما روي أن هذا العدد كان في أول جمعة صليت بالناس، فهذا هو أحد شروط صلاة الجمعة: أعني شروط الوجوب وشروط الصحة، فإن من الشروط ما هي شروط وجوب فقط، ومنها ما يجمع الامرين جميعا: أعني أنها شروط وجوب، وشروط صحة. وأما الشرط الثاني، وهو الاستيطان، فإن فقهاء الأمصار اتفقوا عليه، لاتفاقهم على أن الجمعة لا تجب على المسافر وخالف في ذلك أهل الظاهر لايجابهم الجمعة على المسافر، واشترط أبو حنيفة المصر
(١٢٨)