قال أبو محمد رحمه الله: وإذ قد بلغنا ههنا فلنتكلم بعون الله تعالى في حكم من اطلع على حد أهو في حرج ان كتم الشهادة أم في سعة من ذلك؟ فنقول: قال الله تعالى: (وأقيموا الشهادة لله)، وقال تعالى: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) وقال تعالى:
(ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) وقال تعالى: (ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا) ووجدنا ما روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد نا ليث - هو ابن سعد - عن عقيل عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة " * قال أبو محمد رحمه الله: فوجب استعمال هذه النصوص كلها فنظرنا في ذلك فوجدنا العمل في جمعها الذي لا يحل لاحد غيره لا يخلو من أحد وجهين اما ان يخص عموم الآيات المذكورة بالخبر المذكور، واما أن يخص عموم الخبر المذكور بالآيات المذكورات إذ لا يمكن البتة غير هذا ولابد من أحد العملين فان خصصنا عموم الآيات بالخبر كان القول في ذلك ان القيام بالشهادات كلها والاعلان بها فرض الا ما كان منها ستر المسلم في حد من الحدود فالأفضل الستر وان خصصنا عموم الخبر بالآيات كان القول في ذلك ان الستر على المسلم حسن إلا ما كان من أداء الشهادات فإنه واجب فنظرنا أي هذين العملين هو الذي يقوم البرهان على صحته فيؤخذ به إذ لا يحل أخذ إحداهما مطارفة دون الآخر ولا يجوز أن يكونا جمعا جميعا بل الحق في أحدهما بلا شك فنظرنا في ذلك بعون الله تعالى فوجدنا الستر على المسلم الذي ندبنا إليه في الحديث لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما إما يستره ويستر عليه في ظلم يطلب به المسلم فهذا فرض واجب وليس هذا مندوبا إليه بل هو كالصلاة والزكاة، وإما أن يكون في الذنب يصيبه المسلم ما بينه وبين ربه تعالى ولم يقل أحد من أهل الاسلام بإباحة الستر على مسلم في ظلم ظلم به مسلما كمن أخذ مال مسلم بحرابة واطلع عليه انسان أو غصبه امرأته أو سرق حرا وما أشبهه فهذا فرض على كل مسلم أن يقوم به حتى يرد الظلامات إلى أهلها فنظرنا في الحديث المذكور فوجدناه ندبا لا حتما وفضيلة لا فرضا فكان الظاهر منه أن للانسان أن يستر على المسلم يراه على حد بهذا الخبر ما لم يسئل عن تلك الشهادة نفسها فان سئل عنها ففرض عليه اقامتها وأن لا يكتمها فان كتمها حينئذ فهو عاص لله تعالى وصح بهذا اتفاق الخبر مع الآيات. وأن إقامة الشهادة لله تعالى وتحريم