وأما المؤلف قلبه، فإن قال: نيتي في الاسلام ضعيفة، قبل قوله، لان كلامه يصدقه، وإن قال: أنا شريف مطاع في قومي، طولب بالبينة، كذا فصله جمهور الأصحاب، ومنهم من أطلق: أنه لا يطالب بالبينة، ويقوم مقام البينة الاستفاضة باشتهار الحال بين الناس، لحصول العلم، أو غلبة الظن، ويشهد لما ذكرناه من اعتبار غلبة الظن ثلاثة أمور.
أحدها: قال بعض الأصحاب: لو أخبر عن الحال واحد يعتمد قوله، كفى.
الثاني: قال الامام: رأيت للأصحاب رمزا إلى تردد في أنه لو حصل الوثوق بقول من يدعي الغرم، وغلب على الظن صدقه، هل يجوز اعتماده؟
الثالث: حكى بعض المتأخرين ما لا بد من معرفته، وهو أنه لا يعتبر في هذه المواضع سماع القاضي، والدعوى والانكار والاشهاد، بل المراد إخبار عدلين.
واعلم أن كلامه في الوسيط يوهم أن إلحاق الاستفاضة بالبينة مختص بالمكاتب والغارم، ولكن الوجه تعميم ذلك في كل مطالب بالبينة من الأصناف.
المسألة الثانية: في قدر المعطى، فالمكاتب والغارم، يعطيان قدر دينهما، فإن قدرا على بعضه، أعطيا الباقي. والفقير والمسكين يعطيان ما تزول به حاجتهما، وتحصل كفايتهما. ويختلف ذلك باختلاف الناس والنواحي، فالمحترف الذي لا يجد آلة حرفته، يعطى ما يشتريها به قلت قيمتها، أو كثرت. والتاجر يعطى رأس مال ليشتري ما يحسن التجارة فيه، ويكون قدر ما يفي ربحه بكفايته غالبا، وأوضحوه بالمثال فقالوا: البقلي يكتفي بخمسة دراهم، والباقلاني بعشرة، والفاكهي بعشرين، والخباز بخمسين، والبقال بمائة، والعطار بألف، والبزاز بألفي درهم، والصيرفي بخمسة آلاف، والجوهري بعشرة آلاف.