والقائل بعدم اعتباره إنما هو من أهل الخلاف كأبي حنيفة وأصحابه.
قال في المبسوط:
" القضاء لا ينعقد لأحد إلا بثلاث شرائط: أن يكون من أهل العلم، والعدالة، والكمال.
وعند قوم بدل كونه عالما أن يكون من أهل الاجتهاد. ولا يكون عالما حتى يكون عارفا بالكتاب والسنة والإجماع والاختلاف ولسان العرب، وعندهم والقياس.
فأما الكتاب فيحتاج أن يعرف من علومه خمسة أصناف: العام والخاص، والمحكم والمتشابه، والمجمل والمفسر، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ...
وأما السنة فيحتاج أيضا أن يعرف فيها خمسة أصناف: المتواتر، والآحاد، والمرسل والمتصل، والمسند والمنقطع، والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ...
وفي الناس من أجاز أن يكون القاضي عاميا ويستفتي العلماء ويقضي به. والأول هو الصحيح عندنا. " (1) أقول: العالم على ما ذكره " قده " في بيان مفهومه مساوق للمجتهد المطلق، فلم يذكر في المسألة أقوالا ثلاثة على ما حكاه في الجواهر عن التنقيح بل قولين: اعتبار الاجتهاد، وعدمه. وظاهره اتفاق الشيعة على الأول. فقوله: " وعند قوم بدل كونه عالما أن يكون من أهل الاجتهاد " ليس قولا آخر، بل تعبير آخر عن القول الأول. وقوله: " و في الناس من أجاز أن يكون القاضي عاميا " لايراد به علماء الشيعة بل علماء أهل الخلاف كأبي حنيفة وأصحابه كما مر.
وكيف كان فلم نجد من قدماء الأصحاب من يصرح بعدم اعتبار الاجتهاد في القاضي. وقد مر عن النهاية وكذا المقنعة ما يستفاد منه اعتبار الاجتهاد وقدرة الاستنباط من الكتاب والسنة، من دون أن يعبر بلفظ الاجتهاد، فراجع.