ويرد على الخامس أنها قضية في واقعة خاصة، فلعل المخاطب كان مجتهدا. و الاجتهاد في تلك الأعصار كان خفيف المؤونة ولم يكن يتوقف على علوم ومقدمات كثيرة كما في أعصارنا. فمن كان يقدر على استنباط أحكام الله - تعالى - من الروايات الصادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) وكان يتصف بكونه ممن روى حديثهم ونظر في حلالهم وحرامهم وعرف أحكامهم كان يصدق عليه أنه فقيه مجتهد. وكثير من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) كانوا كذلك. هذا.
مضافا إلى أنه يمكن أن يكون القضاء في قوله (عليه السلام): " اقض على هذا كما وصفت لك " بمعنى بيان الحكم الشرعي لا القضاء الاصطلاحي بمعنى إعمال الولاية وإنشاء الحكم، فتأمل.
وأما السادس، أعني خبر الحلبي فتقريب الاستدلال به أن الإمام - عليه السلام - ترك الاستفصال. وترك الاستفصال يقتضي العموم، فيشمل غير المجتهد أيضا. كما أن حصر عدم الجواز في من يجبر على حكمه بالسيف يدل على جواز غيره مطلقا.
والسند صحيح رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي. هذا.
ولكن يرد عليه أولا: أن الخبر ليس نصا في القضاء، فلعل الرجل الذي كانا يتراضيان به كان يصلح بينهما بما يرتضيان به، كما هو المتعارف كثيرا في من ينتخب حكما من قبل المتنازعين في أعصارنا.
وثانيا: أن قوله (عليه السلام): " ليس هو ذاك " قرينة على كون الكلام مسبوقا بكلام لم ينقل لنا، و لعله كان فيه قرينة على المراد. ومعه يشكل الاعتماد على ترك الاستفصال.
وثالثا: أنه يمكن أن يقال إن الخبر ليس في مقام بيان عقد الإثبات حتى يتمسك بالإطلاق فيه، بل عقد النفي أعني عدم صلاحية من يجبر الناس على حكمه