وثانيا: قد مر منا سابقا أن الأحكام العامة المتعلقة بالمجتمع بما هو مجتمع تتوجه إلى ممثل المجتمع ومن يتبلور فيه المجتمع، وهو الحاكم. فلا يجوز للآحاد التصدي لها، للزوم الهرج والمرج.
ويؤيد ذلك أن الخطاب في الآية الأولى يتوجه إلى من عنده الأمانات، وقد فسرت في أخبار الفريقين بالامارة والولاية، كما مر شرح ذلك في الفصل الثالث من الباب الخامس، فراجع.
فالمخاطب في الآية هم الحكام والولاة لا جميع الناس، فتأمل.
وفي رواية معلى بن خنيس، عن الصادق (عليه السلام) قال: قلت له: قول الله - عز وجل -: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل. " فقال: " عدل الإمام أن يدفع ما عنده إلى الإمام الذي بعده وأمرت الأئمة أن يحكموا بالعدل، وأمر الناس أن يتبعوهم. " (1) يظهر من الحديث أن المخاطب في الآية والمكلف بالتكليفين هو الإمام، فتدبر.
ويرد على الثاني أن الآيات الثلاث في مقام بيان حرمة الحكم بغير ما أنزل الله لا في مقام بيان من له الحكم وشرائطه، فلا يستفاد منها جوازه لكل أحد، لعدم الإطلاق من هذه الجهة.
ويرد على الثالث ما مر على الأول، فراجع.
ويرد على الرابع أن العلم بشيء من قضاياهم بما هي قضاياهم (عليه السلام) يختص بالفقيه، أو منصرف إليه لما مر من انصراف لفظ العلم والعالم عن المقلد التابع لغيره.
نعم، يستفاد من هذه الرواية على فرض صحتها كفاية التجزي، فلا يعتبر كونه مجتهدا مطلقا.