وقد يقال بالفورية إذا كان متعلقها حقا للفقراء كسائر الحقوق المالية للأدلة الدالة على ذلك، والمحكي عن المسالك التفصيل في الكفارات الواجبة بين ما كانت عن ذنب وبين ما لم تكن عنه ففي ما لم تكن عن ذنب ككفارة قتل الخطأ وجوبها على التراخي، وفي ما كانت عن ذنب وجهان من أنها في معنى التوبة من حيث كانت مسقطة للذنب أو مخففة والتوبة واجبة على الفور، ومن أصالة عدم الفورية. ولا يلزم من مشاركتها للتوبة في ذلك مساواتها لها في جميع الأحكام، فإنها في الأصل حق مالي أو بدني وفي نظائرها من العبادات والحقوق ما يجب على الفور ومنها ما لا يجب، و وجوبه متوقف على دليل يقتضيه غير أصل الأمر.
وأورد عليه بأن الأصل في الحقوق المالية سواء كانت لشخص معين أو غير معين الفورية إلا مع الإذن من صاحب الحق ومن ذلك رد الأمانات الشرعية إلى أهلها فورا وأداء الخمس والزكاة وغيرها وكأنه متفق عليه إلا ما دل عليه الدليل من الرخصة في تأخيره نحو الزكاة في الجملة طلبا لأفضل مواردها، بل لعل تأخير الحق عن مستحقيه مع حاجتهم إليه من الظلم المحرم عقلا ونقلا، ومن الاضرار المنهي عنه أيضا.
ويمكن أن يقال: مثل الزكاة والأمانات مع بقاء العين الظاهر لزوم رده إلى صاحب الحق فورا لعدم جواز التصرف في ما تعلق بالغير سواء كان الغير شخصا معينا أو غير معين، وإن كان للتأمل فيه مجال في مثل الزكاة والخمس، وأما لو كان متعلق الحق كليا كما في الكفارات فإثبات الفورية بالدليل مشكل لعدم استفادة الفورية من الأمر وعدم كون متعلق الحق عينا خارجية حتى يقال إبقاؤها بدون الرد تصرف في مال الغير محرم وتأخير تأدية الحق عن أول أزمنة إمكانها لا يعد ظلما وإلا لزم كون تأخير تأدية الزكاة المفروضة لطلب الأفضل ظلما وليس كذلك لأن مراعاة هذه الجهة ليست مما يزاحمها القبيح المحرم.
نعم يستفاد من بعض الأخبار أن حبس الحقوق من الكبائر لكن الحبس أمر آخر فإن من أخر تأدية متعلق الحق من اليوم إلى الغد لا يكون حابسا للحق، نعم لو كان الكفارة مسقطة للعقوبة أو مخففة واحتمل الفورية في تأديتها ولم يقم