تكلم فيه من جهة ما هو له بالطبع، لان فيه قوة مجففة غريزية لغلبة اليبس على مزاجه بالطبع. وغيره تكلم فيه من جهة ما هو له بالعرض، من قبل أن فيه رطوبة عرضية ملينة لما فيه من الرطوبة الفضلية المكتسبة من الماء. فإذا مازجت رطوبته العرضية حرارته الطبيعية، ولا سيما حرارة الحريف منه، تولد عنهما قوة ملطفة ملينة. وبهذه الجهة صار متى وافى قوة البطن متهيئة لحبس ما فيها، فعل يبسه الطبيعي وأعان على حبس البطن. ومتى وافى قوة البطن متهيئة للاطلاق، فعل برطوبته الفضلية وأعان على الاطلاق. وأما يابسه فمجفف لا محالة.
وأما بزر الباذروج إذا شرب، وافق أصحاب المرة السوداء ونفع من عسر البول وحلل الرياح والنفخ. وإذا دق واستنشق، قطع الرعاف والعطاس. وذكر قوم من الأوائل أنه إذا استنشق، هيج عطاسا كثيرا. إلا أنهم زعموا أنه ينبغي للانسان إذا تعطس به، أن يغمض به (1) في وقت العطاس تغميضا شديدا. وورقه اليابس يفعل فعل البزر، إلا أنه أضعف فعلا من البزر. وقد يعمل من الباذروج دهن يقوم مقام دهن المرزنجوش (2) إلا أنه دونه قليلا. وزعم ديسقيريدس أنه ينوم. وصفته أن يؤخذ الزيت المعفص - على ما أنا واصفه، وهو الذي يعمل به دهن الحناء (3) - واحد وعشرون رطلا، ومن ورق الباذروج الطري أو زهرة عشرة أرطال وثلثا رطل، وينقع ذلك في الزيت يومين وليلتين، ويعصر في جبيات (4) خوص ويخزن، ثم يلقى عليه الثفل زيت ثان مثل الأول ويترك فيه يومين وليلتين ويعصر. ويسمى هذا الزيت الدهن الثاني (5). وإن أحببت أن تردد (6) في الدهن الأول الباذروج مرات كثيرة، المعفص زيت إنفاق (7)، فيكون أضعف من الذي يعمل بالزيت المعفص.
صفة عمل المعفص: يؤخذ من الزيت الانفاق تسعة أرطال وخمسة أواق، ومن الماء مثل نصف الزيت، ومن الدارشيشغان خمسة أرطال ونصف، ومن قصب الذريرة ستة أرطال ونصف، ومن المر الأحمر رطل ومن القردمانا (8) ثلاثة أرطال وتسعة أواق يدق كل واحد منهما على الانفراد. ويؤخذ الدارشيشغان ويبل بثلثي الماء المقدر المعزول ويلقى عليه الزيت ويطبخ جيدا. ثم يؤخذ المر وينقع في خمر عتيق عطر الرائحة، ويلقى عليه بعد أن يذوب ويدق الذريرة وينخل، ويعجن الجميع جيدا. ثم يصفى الزيت من الدارشيشغان ويلقى على المر وقصب الذريرة المعجونين بالخمر ويغلى عليه جيدا. ويؤخذ القردمانا ويعجن بباقي الماء المعزول ويلقى على الدواء ويطبخ حتى يذهب الماء ويترك حتى يبرد ويصفى.
فهذا هو الزيت المعفص الذي يعمل به دهن الحناء.