وأما اختلاف العسل بحسب وجوه استعماله، فيكون على ضروب: لان منه ما يستعمل نيئا على وجهه. ومنه ما يلقى عليه ماء كثير ويطبخ وتنزع رغوته دائما حتى يصير له قوام العسل ويستعمل. ومنه ما يطبخ بغير ماء إلا أن رغوته تنزع وتنطف وتستقصى (1). ومنه ما يطبخ ولا يبالغ في طبخه ولا يحكم إنضاجه ولا تنزع رغوته. ومنه ما لا يطبخ إلا يسيرا ولا تنزع رغوته.
فأما ما كان يستعمل على وجهه، فمن شأنه أن يولد رياحا ويزيد في خشونة الصدر بحدته ويهيج القئ والاسهال. وأما ما يطبخ بالماء وتستقصى رغوته، فإنه يكتسب من الماء لطافة وليانة تزول بهما حدته وحرافته. ولذلك يقل جلاؤه وإطلاقه للبطن ولا ينفخ أصلا ولا يهيج القئ، ذلك لأنه ينفذ إلى جميع البدن بسرعة ويلين خشونة الصدر ويدر البول ويغذو غذاء كثيرا. وأما ما يطبخ بغير ماء، إلا أن رغوته تستقصى، فإن حدته أيضا تقل ويزول أكثرها ويصير قريبا مما يطبخ بالماء، إلا أن إدراره للبول يكون أقل. وأما ما لم يكن يحكم نضجه وتنزع رغوته، فإنه يولد في المعدة والمعاء رياحا نافخة. وما لم يطبخ إلا طبخا يسيرا، هو شبيه بما لم يطبخ أصلا، إلا أنه ينحدر قبل تمام هضمه.