بل إنهم قد كافأوا من أساء إليها، وهي الصديقة الطاهرة المعصومة، بإعفائهم من أي إجراء كانوا يتخذونه تجاه الآخرين، فولوهم الولايات وأعطوهم المناصب، ولم يشاطروا حتى قنفذا في أمواله التي كدسها في ولاياته لهم. وكان ذلك منهم كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام مكافأة له على ما صنعه بسيدة نساء العالمين.
بل إنني أكاد أجزم أن لو حاولت الزهراء استعادة ما اغتصبوه منها، فإنهم سوف يضربونها من جديد، ربما أشد من ضربهم السابق لها، فقد أصبحوا يشعرون بالهيمنة والسيطرة وبالقوة. هذا إن لم نقل: إنهم سوف يصدرون عليها حكمهم بالقتل بصورة علنية وظاهرة.
4 - إن استرضاء الزهراء على النحو الذي أسلفناه، ثم رضاها - لو أنها رضيت - سوف يفهمه الناس على أن المسألة قد كانت مسألة حنق شخصي، دون أن يكون للزهراء أي حق فيما كانت تدعيه.. بل كان الحق كله لهما، وهي الظالمة والمعتدية، والطالبة لما ليس لها حق فيه.
ويصبح ضربها من قبلهم مجرد تسرع هي التي استدرجتهم إليه، وحملتهم عليه، حيث فرضت عليهم أجواء ظالمة، دفعتهم لبذل المحاولة لحفظ الحق.. ولربما يكون تسرع الزهراء، وإثارتها لهم في كلماتها، أو بغير ذلك هو الذي أثار حفيظتهم، وأخرجهم عن خط التوازن والاعتدال.
إذن.. فما على الزهراء إلا أن تسمح وتسامح، وذلك هو ما تفرضه تعاليم الدين، وتقتضيه القيم الأخلاقية والإنسانية في حالات كهذه، بل إن طلبهما المسامحة لم يكن لأجل ذنب اقترفاه، بل كان كرم أخلاق منهما، وتواضعا وأريحية..
وبذلك تكون عليها السلام قد أعطت صك الشرعية للعدوان، ولاغتصاب الحق، والاستئثار بإرث الرسول، وتكون هي وعلي (عليهما السلام) مصدر الخطأ، والتقصير، والعدوان.. نعم.. إن ذلك قد يكون هو أو بعض ما كانا يرميان إليه من محاولتهما استرضاءها عليها السلام.
ولكن إصرارها على عدم قبولهما، ورفضها حضورهما جنازتها، وعدم تعريفهما حتى بموقع قبرها. قد أحبط خطتهما هذه. وأفهمت كل أحد، إلى يوم القيامة: أن القضية لم تكن شخصية، وإنما هي قضية الإسلام كله.. ولا