فجعنا بنصف الجيش حوبة كلها * وارهق جراح وولى مغاور أبو الفيض مار الجيش حولا محرما * وكان له جد من القوم مائر قال ابن خالويه: العرب تدعو سيف الدولة أبا الفيض لفيضه عليهم بالاحسان، وسرنا معه إلى ديار بكر سنة 338 فأقام يمير الناس على طبقاتهم مدة مقامه وكان جده أبو العباس حمدان بن حمدون مار الخليفة المعتضد وحاشيته وقت اصعاده إلى حرب الطولونية اه قال:
و راحت على سمنين غارة خيله * وقد باكرت هنزيط منها بواكر وهذا البيت لا يوجد في نسخ الديوان التي بأيدينا.
في معجم البلدان سمنين بضم أوله وكثيرا ما يروى بالفتح وسكون ثانيه ونون مكسورة واخره نون أخرى بلد من ثغور الروم وهنزيط بكسر الهاء وسكون النون وكسر الزاي من الثغور الرومية أيضا اه وذكرهما أبو الطيب أيضا فقال يصف خيل سيف الدولة:
تراه كان الماء مر بجسمه * واقبل رأس وحده وتليل وفي بطن هنزيط وسمنين للظبا * وصم القنا ممن أبدن بديل قال:
بكم وبنا يا سيف دولة هاشم * تطول بنو أعمامنا وتفاخر فانا وإياكم ذراها وهامها * إذ الناس أعناق لها وكراكر ترى أيها لاقيته من بني أبي * له حالب لا يستفيق وجازر وقال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: كثرت وقائع سيف الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله بن حمدان بن الحارث العدوي التغلبي بالعرب في كل ارض فتجمعت نزاريها ويمانيها وتشاكت ما لحقها وتراسلت وانفضت على الاجتماع بسلمية لمقاتلته ومناجزته وأوقعت بعامله بقنسرين وهو الصباح عبد عمارة المخارقي دعي زيد بن جشم فقتلته فنهض سيف الدولة ومعه ابن عمه أبو فراس حتى أوقع بهم وعليهم يومئذ الندى بن جعفر ومحمد بن بزيع العقيليان من آل المهنا فهزمهم وقتل وجوههم وسرواتهم واتبع فلهم وقدم أبا فراس في قطعة من الجيش فلم يزل يتبعهم ويقتل وياسر حتى ألحقهم بالغور موضع بالشام فلم ينج منهم الا من سبق به فرسه واتبعهم سيف الدولة حتى لحقهم بتدمر فهتكهم وأهلكهم قتلا وعطشا وانكفا سائرا إلى بني نمير وهي بالجزيرة فوجدها قد أخذت المهل ولحقته خاضعة ذليلة تعطي الرضا وتنزل على الحكم فصفح عنهم واحلهم بالجزيرة. فقال أبو فراس يذكر الحال والمنازل ويصف مواقفه فيها:
أبت عبراته الا انسكابا * ونار ضلوعه الا التهابا ومر أكثر هذه القصيدة في ترجمة أبي فراس.
وفي اليتيمة: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن خالويه قال لما كانت الشام بيد الاخشيد ابن محمد طغج سار إليها سيف الدولة فافتتحها وهزم عساكره عن صفين فقال المتنبي:
يا سيف دولة ذي الجلال ومن له * خير الخلائف والأنام سمي أو ما ترى صفين حين أتيتها * فانجاب عنها العسكر الغربي فكانه جيش ابن حرب رعته * حتى كأنك يا علي علي وقال أبو فراس من قصيدة طويلة وهي الرائية المشهورة:
اتى الشام لما استذأب البهم واغتدت * بها اذؤب البيداء وهي قساور فثقف مناد وأصلح فاسد * وذلل جبار وأذعر ذاعر وهذان البيتان لا يوجدان في نسخ الديوان التي بأيدينا.
وظهر في الغرب رجل من القرامطة يعرف بالمبرقع وافتتح مدائن من أطراف الشام وأسر أبا وائل تغلب بن داود بن حمدان وهو خليفة سيف الدولة على حمص وألزمه فداء نفسه بخيل ومال فاسرى سيف الدولة من حلب حتى لحقه في اليوم الثالث بنواحي دمشق فقتله ووضع السيف في أصحابه فلم ينج الا من سبق فرسه وعاد إلى حلب ومعه أبو وائل وبين يديه رأس الخارجي على رمح، فقال أبو فراس يذكر ذلك:
وانقذ من مس الحديد وثقله * أبا وائل والدهر اجدع صاغر وآب ورأس القرمطي أمامه * له جسد من أكعب الرمح ضامر قال في اليتمية: وهذا من أحسن ما قيل في الرأس المصلوب على الرمح. ومما فيه قول الآخر:
وعاد لكنه رأس بلا جسد * يمشي ولكن على ساق بلا قدم إذا تراءى على الخطي أسفر في * حال العبوس لنا عن ثغر مبتسم وهذه الواقعة هي التي يقول فيها أبو الطيب من قصيدة:
ولو كنت في غير أسر الهوى * ضمنت ضمان أبي وائل قال ياقوت: قرأت في تاريخ ألفه أبو غالب بن المهذب المعري ان سيف الدولة بن حمدان لما عبر الفرات سنة 333 ليملك الشام تسامع به الولاة فتلقوه من الفرات وكان فيهم أبو الفتح عثمان بن سعيد والي حلب من قبل الاخشيد فلقيه من الفرات فأكرمه سيف الدولة واركبه معه وسايره فجعل سيف الدولة كلما مر بقرية سأله عنها فيجيبه حتى مر بقرية فقال ما اسم هذه القرية قال ابرم بكسر الهمزة وسكون الباء الموحدة وفتح الراء وميم فسكت سيف الدولة وظن أنه أراد انه أبرمه واضجره بكثرة السؤال فلم يسأله سيف الدولة بعد ذلك عن شئ حتى مر بعدة قرى فقال له أبو الفتح يا سيدي وحق رأسك ان اسم تلك القرية ابرم فاسال من شئت عنها فضحك سيف الدولة وأعجبته فطنته اه.
وفي خزانة الأدب كان سيف الدولة لا يملك نفسه وكان يأتيه علوي من بعض جبال خراسان كل سنة فيعطيه رسما له جاريا على التأبيد فاتاه وهو في بعض الثغور فقال للخازن اطلق له ما في الخزانة فبلغ أربعين ألف دينار فشاطر الخازن وقبض عشرين ألف دينار إشفاقا من خلل يقع على عسكره في الحرب.
وقيل إن سيف الدولة خرج يوما على جماعة فقال قد عملت بيتا وما احسب أحدا يعمل بيتا آخر الا إن كان سيدي أبا فراس وانشدهم:
لك جسمي تعله * فدمي لم تطله فقال أبو فراس:
انا ان كنت * مالكا فلي الامر كله قال سامي الكيالي:
شخصية سيف الدولة من البطولات الفذة التي كان لها شأنها الخطير في دفع الغزو البيزنطي عن الأرض العربية بطولة سيف الدولة الحمداني، هذا القائد العربي المغوار الذي وقف وحده في الميدان يحارب جيوش الإمبراطورية البيزنطية الكبرى في فترة كانت الدولة العباسية قد تمزقت شذر مذر. وتهددتها