فذكر الشعر ونوع اللحن ومن غناه ومن لحنه. ثم ترجم للمغني وللشاعر، واستطرد في خلال ذلك إلى صور من الحياة المتصلة بكل منهما وإلى ترجمات من اشخاص آخرين، وإلى نقد الشعر وذكر ما يعارضه. وما يماثله.
وهكذا ينتقل المؤلف من صورة إلى صورة ومن لون إلى لون، يتخلل ذلك كله صنوف من العلم والمعرفة وشؤون من الحياة العامة.
ولا بد من القول أخيرا ان صاحب الأغاني كان أمينا للتاريخ كل الأمانة فلم يذكر حديثا ولا حكاية ولا رواية ولا شعرا الا اجتهد في اسناده إلى عدد من الرواة والأسانيد ولذلك يمكن القول انه من التجني على المؤلف ما كتب بعض مؤرخي الأدب المعاصرين من أنه لا يجوز الاعتماد على الأغاني من الناحية التاريخية الشاملة.
مقاتل الطالبيين ومن كتبه التي قرئت عليه كذلك كتاب مقاتل الطالبيين وهو كتاب مترجم فيه للشهداء من آل أبي طالب منذ عصر الرسول إلى الوقت الذي شرع يؤلف فيه كتابه وهو جمادى الأول سنة 313 سواء كان المترجم له قتيل حرب أو صريع السم في السلم، وسواء أ كان مهلكه في السجن أو في مهربه أثناء تواريه من السلطان.
وقد رتب مقاتلهم على السياق الزمني ولم يرتبها على حسب اقدارهم في الفضل ومنازلهم في المجد، واقتصر على من كان نقي السيرة قويم المذهب، واعرض عن ذكر من عدل عن سنن آبائه وحاد عن مذاهب أسلافه وكان مصرعه في سبيل اطماعه وجزاء ما اجترحت يداه من عبث.
وقد صنف أبو الفرج اخبارهم ونظم سيرهم ووصف مقاتلهم وجلا قصصهم بأسلوبه الساحر وبيانه الآسر، وطريقته الفذة في حسن العرض ومهارته الفائقة في سبك القصة وحبك نسجها وائتلاف أصباغها وألوانها وتسلسل فكرتها ووحدة ديباجتها وتساوق نصاعتها على اختلاف رواتها وتعدد روايتها وتباين طرقها، حتى ليبدو وكأنها بنات فكر واحد وهذا هو سر الصنعة في أدب أبي الفرج.
ولئن كان أبو الفرج قد بلغ غاية التصوير والتعبير في كتاب الأغاني لأن موضوعه يلتئم ومزاجه الفني ومسلكه في الحياة ويقع من عقله وفكره وذوقه وعاطفته موقع الرضا والقبول، فإنه لكذلك قد بلغ غاية التصوير والتعبير في مقاتل الطالبيين لان موضوعه حبيب إلى نفسه عظيم المكانة من قلبه.
وهذا الكتاب كنز من كنوز الأدب والتاريخ ترجم فيه أبو الفرج لنيف ومائتين من شهداء الطالبيين فاحسن الترجمة وصور بطولتهم تصويرا أخاذا يخلب الألباب ويمتلك المشاعر، وذكر فيه من خطبهم ورسائلهم وأشعارهم ومحاوراتهم، وما قيل فيهم وبسببهم من روائع الشعر والنثر ما لا تجده مجموعا في كتاب سواه الا ان يكون منقولا عنه أو ملخصا منه. واوجز ما يقال في وصف مقاتل الطالبيين انه دائرة معارف لتاريخ الطالبيين وأدبهم في القرون الثلاثة الأولى.
الناقد شارك أبو الفرج عصره في أكثر النواحي الأدبية والمتتبع يدرك مدى هذا الاشتراك فقد كان إماما من أئمة النقد في الأديب شغف يتتبع الشعراء حتى يعرف مصادرهم كما شغف في الحياة بتتبع الخلفاء ليعرف اسرار حياتهم، وقد تعقب أبا العتاهية وأبا نواس وأبا تمام والبحتري، ولكنه كان يميل إلى الاعتدال في نقده، ويكره الاسراف إما رأيه في قضية القديم والجديد فهو رأي ظاهر فقد كان يجري مجرى الزمن ولا يجمد على حال، فهو يعلم أن لكل عصر أطوارا وان الشعر ينبغي له ان يتبع هذه الأطوار، من ذلك رأيه في شعر ابن المعتز فالأصبهاني في هذا النوع من النقد، صاحب مذهب فهو من المجددين الذين يرون لكل عصر أحوالا خاصة في الذوق والشعور ورأيه في ذلك رأي أكابر رجال الأدب واللغة أمثال ابن قتيبة وابن فارس.
معاصر له يصفه وصفه معاصره القاضي التنوخي فقال: كان من الرواة المتسعين الذين شاهدناهم أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني فإنه كان يحفظ من الشعر والأغاني والاخبار والآثار والحديث المسند والنسب ما لم أر قط من يحفظ مثله. وكان شديد الاختصاص بهذه الأشياء ويحفظ دون ما يحفظ منها علوما اخر منها اللغة والنحو والخرافات والسير والمغازي، ومن آلة المنادمة شيئا كثيرا مثل علم الجوارح والبيطرة ونتف من الطب والأشربة وغير ذلك.
مؤلفاته 1 الأغاني، وعند ما ألفه حمله إلى سيف الدولة الحمداني فأعطاه ألف دينار. 2. مقاتل الطالبيين، 3 اخبار القيان، 4 اخبار الطفيليين، 5 اخبار جحظة البرمكي، 6 أيام العرب، ألف وسبعمائة يوم، 7 الإماء الشواعر، 8 أدب الغرباء، 9 أدب السماع، 10 الاخبار والنوادر، 11 الفرق والمعيار في الأوغاد والأحرار، 12 المماليك الشعراء، 13 الغلمان المغنين، 14 الحانات، 15 التعديل والانتصاف في اخبار القبائل وانسابها، 16 تفضيل ذي الحجة، 17 تحف الوسائد في اخبار الولائد، 18 الخمارين والخمارات، 19 دعوة التجار، 20 دعوة الأطباء، 21 الديارات 22 رسالة في الأغاني، 23 مجرد الأغاني، 24 مجموع الاخبار والآثار، 25 مناحيب الخصيان، 26 كتاب النغم، 27 نسب المهالبة، 28 نسب بني عبد شمس، 29 نسب بني شيبان، 30 نسب بني كلاب، 31 نسب بني تغلب.
وقد عنى بديوان أبي تمام فجمعه ورتبه على الأنواع، كما جمع ديوان أبي نواس وديوان البحتري ورتبه على الأنواع كذلك.
الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محيي الدين الحارثي الهمداني العاملي النجفي.
ذكره في ملحق أمل الآمل فقال: كان عالما فاضلا جامعا للمعقول والمنقول له كتاب توقيف السائل على دلائل المسائل في الفقه من أول الطهارة إلى أول الوضوء وكتاب في المنطق أيضا شرح فيه شرح حاشية ملا عبد الله على تهذيب التفتازاني من أول التصديقات وقيل له أيضا شرح على التصورات ورسالة صغيرة في تحقيق كون النسبة ثلاثية أو رباعية والوجيز في تفسير القرآن العزيز. ومنظومات في النحو والأصول والمنطق والهيئة اه.
أقول كتاب الوجيز موجود عند احفاده ونقل لي من رآه انه جيد