أبو الحسن علي بن الحسين العقيلي.
عثر الأستاذ محسن جمال الدين على ديوانه مخطوطا في مكتبة الأوسكوريال فكتب من مقال له في مجلة العرفان:
عثرت على هذه المخطوطة النفيسة في مكتبة الأوسكوريال بالقرب من مدريد بعد ان اطلعت على فهرس المخطوطات العربية الذي وضعه لها أحد العلماء الفرنسيين وقسمه حسب المواضيع، وقدم لكل مؤلف بكلمة وجيزة تصفه وتشير إليه وتثبت مقدمته.
ولم يكلفنا الناسخ مشقة البحث عن نسب الشاعر فقد صدره لنا بماء الذهب وقال عنه:
هو الشيخ الامام العالم الفاضل العلامة أبو الحسن علي بن الحسين ابن حيدرة بن محمد بن عبد الله بن محمد العقيلي من ولد عقيل بن أبي طالب أخي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وشاعرنا من شعراء العصر الفاطمي خلال القرنين الرابع والخامس الهجري.
لم يذكر لنا ناسخ الديوان مولده ووفاته ولا أشار إلى الزمن الذي انتهى فيه نسخ المخطوطة وهذا من بعض المعايب التي ابتليت بها مخطوطاتنا العربية. ولولا معرفة الأخصائيين بدراسة المخطوطات، ووجود بعض المقتطفات في كتب الأدب الغربي والشرقي، لما استطعنا ان نعرف تاريخه على وجه التقريب؟!
أما عصر الشاعر فهو عصر زاه جميل 790 م 1079 م عصر ازدهرت فيه العلوم والمعارف، وسما فيه الأزهر يطاول السماء بعلومه وفنونه وجهابذته.
وتبدو لنا شخصيته من خلال شعره بأنه شاعر اهتم بالكرامة والعزة، والاحترام الشخصي لذاته، وكان يهتم بمجالس انسه وطربه، لأنه غني النفس، وغني المادة، بعيد عن تملق الشعراء وأبواب الخلفاء:
وقائل ما لملك قلت الغني * فقال: لا بل راحة القلب وصون ماء الوجه عن ذلة * في نبيل ما ينفد عن قرب ونرى نفسه نفسا أبية سامية، لم تراودها خيالات الجشع والطمع، ولم تدفعها أحلام اللذة العابرة، ولم تبع كرامتها بالزائل من المادة: إذا ما كان في بيني رغيف.
فذاك اليوم عندي يوم عرس * فان قصرت يدي عنه لعدم رجعت بها إلى زاد التأسي * ولم اسحب لثوب القصد ذيلا ولو سحب الطوى جسمي لرمسي * لان الموت أسهل من مقام اعرض للتوسل فيه نفسي وقال:
دع ماء وجهك فيه لا ترقه فما * عند الذين ترجيهم سوى الياس وكن فتى وزن الدنيا بهمته * فما نفى حبها بالذل للناس وقال:
قنوعي بدون الدون لا نقص همة * ولكنه شئ أصون به نفسي إذا كان لي في منزلي قوت ساعة * فما دونها قدرت اني في عرس وهو مخلص جواد كريم لا تشوب نفسه شوائب الهجران، ولا تكدر ذاته مرارة الجحود، لا ينسى أصحابه، ولا يتجاهل صداقتهم يتقبل أخطاءهم بصدر رحب واسع من السماحة والمودة:
ما صاحب المرء إما زل عاتبه * بل صاحب المرء من يعفو إذا قدرا فان أردت وصالا لا يكدره * هجر فكن صافيا للخل ان كدرا وقال:
اني لأحفظ ود من صافيته * ودي واصفح دائبا عن عتبه ويسوؤني ما ساءه ويسرني * ما سره في بعده أو قربه وقال:
إذا بدت من صاحب جفوة * وصار للهجران معتادا لا تضع المنجل في وده * الا إذا سماك حصادا والشاعر لا يهجو الا قليلا، لأن الهجاء ليس من طبعه الأبي، فهو متسامح، لا يثور الا لكرامته عندما يجد من يحاول المس منها ولا ينخدع بالمظاهر الكاذبة:
يا مظهرا لي هيبة بحجابه * والكلب يأنف ان يجوز ببابه ما رحت من هجوي بعرض سالم * الا لأنك دون ما تهجا به وقال يهجو عامل دمياط:
قد مكن المطل من الوعد * وسلط المنع على الرفد عامل دمياط الذي كل من * عامله يخسر في القصد كأنه مستحلف انه * يستقبل السائل بالرد وقال يهجو أبا يوسف بن المنشئ الكاتب:
سألت أبا يوسف حاجة * فقال أجئ بها في غد وأودع انجازها موضعا * من المنع يقصر عنه يدي ولو كان عندي علم به * لما كنت اجعله مقصدي فإياك تشرب ميعاده * فتشرق بالطمع الأنكد فكم سلط الشك من مطله * فاضني به جسد الموعد لعمري لخسة طبع الفتى * تدل على خسة المولد وله.
وشاعر يحسدني دائما * والناس حساد ومحسود يصفر مني ابدا وجهه * كأننا الطنبور والعود وله في مغن:
لنا مغن من بني الجند * انما من دمع على خد لو دخل النار على حرها * لمات من فيها من البرد وقال يهجو:
يا من يلقب نفسه بالشاعر * لا تقف اثار الجواد الضامر اني أغار من العثار عليك في * طرقي لأنك غير صلب الحافر فدع التتبع للجياد إذا جرت * حتى تكون طويل خطو الحافر