فلا حملت عواتقكم سيوفا * ورأس السبط فوق الرمح سامي ولا ركبت فوارسكم خيولا * وصدر السبط مرضوض العظام ولا حجبت كرائمكم خيام * ورحل السبط منهوب الخيام ولا نقع الغليل لكم رواء * وسبط محمد في الطف ظام ولا بلغ الفطام لكم صبي * ويذبح طفله قبل الفطام وأنصار له في الله باعوا * حياة النفس بالموت الزؤام إذا شبت لظى الهجاء كانوا * امام الدارعين إلى الامام حموا وسموا فما حام وسام * سواهم من بني حام وسام لقد نالوا المنى وجنوا ثمارا * من الشرف الرفيع المستدام أ يا بن المقدمين على المنايا * إذا ما الصيد تحجم في الصدام وهم حجج الاله على البرايا * بهم عرف الحلال من الحرام تحلى بالعلى قوم سواهم * فكان نصيبهم منها الأسامي الشيخ علي الشرقي (1) ولد سنة 1308 في النجف وتوفي سنة 1384 في بغداد ودفن في النجف الأشرف هو ابن الشيخ جعفر الشروقي المترجم في موضعه من هذا الكتاب. قال جعفر الخليلي في بعض ما كتب عنه:
كان في مدينة النجف الأشرف عدد من الشبان الذين لفتوا إليهم انظار شيوخ الأدب فأدخلوا في أذهان الجميع بما كتبوا ونظموا ونشروا انهم سيكونون هم شيوخ الأدب وزعماءه في المستقبل. وكان الشيخ محمد رضا الشبيبي والشيخ علي الشرقي في طليعة أولئك النفر من أدباء الشباب، واتسعت دائرة أفكارهم وهم لا يزالون في أول مراحل الشباب فاتصلوا بالعالم الخارجي وتتبعوا حركته الثقافية وعرفوا اخباره، فيوم غرقت الباخرة تيتانيك سنة 1912 على اثر اصطدامها بجبل الثلج في المحيط الأطلنطيقي كان الشبيبي والشرقي من أوائل شعراء العرب ان لم يكونا أول شاعرين تحسسا بهذه النكبة وعمقها فراحا يصورانها في الشعر تصويرا غاية في الروعة ويعرضان للهلع والفجيعة ألواحا تستفز المشاعر، وتتدفق بالعظات والامثال فهذا الشبيبي يقول في بعض ما يقول عن عبر الحياة وقد نشرت مجلة لغة العرب قصيدته في حينها وهو يخاطب الباخرة تيتانيك:
أ مليكة البحر اسمعي لك أسوة * في الأرض كم ثلث عروش ملوك انى ينجيك الحديد وما نجوا * باشد من فولاذك المبسوك ولم يتم الشرقي العقد الثاني من العمر يوم نشرت له مجلة العرفان القصيدة التي يرثي بها تيتانيك فيقول فيها:
فيا جبل الجليد ولست أرسي * فتكت وكيف في جبل الحديد وما اصطدمت جسوم في جسوم * بل اصطدمت جدود في جدود و للشرقي شعر ينعي فيه الجمود والقيود، ويبكي الحرية ويستنهض البلاد وينفخ في الشباب روح الفتوة وهو لم يزل فتى لا يزيد عمره على بضع عشرة سنة مما يدل على سرعة نضجه ورهافة حسه إذ يقول بنود البلاد قلوب الشباب * ترف فترمز عنها البنود وان الحديد رؤوس الرجال * إذا عمرت لا البراري الحدود أ لا تتحرك هذي القلوب * فما اخر الرق الا الجمود لقد قيدونا بعادتهم * ضلالا فعضت علينا القيود ومن أوائل نظمه قصيدة يثور فيها على عزوف البلاد عن الاخذ بالجديد وذلك قبل الحرب العظمى الأولى بعدة سنين وهو في سن تدل على نبوع الشاعر بسبب عمق تأثره بالعالم الخارجي إذ يقول:
وما بلد ضمني سجنه * ولكنه قفص البلبل ترف جناحاه لم يستطع * مطارا فيفحص بالأرجل لقد اقفلوا باب اماله * فحام على بابه المقفل والحق ان هذا النفر من الشباب هو الذي نقل النضج الفكري والوعي السياسي، والآراء الحديثة إلى النجف ان لم يكن إلى العراق كله إذ لم يسبق لجماعة كبيرة في أية مدينة من مدن العراق ان تجاوبت مع الحضارة الحديثة والأفكار الجديدة مثل هذا التجاوب في مثل تلك الأيام العصيبة.
والشرقي وليد أبوين لهما شأن غير قليل فيما أورثا ابنهما هذا من ملكات حسية وشعرية، فأبوه الشيخ جعفر الشروقي عالم وأديب وشاعر، وامه من آل الجواهري وهي أخت الشيخ عبد الحسين الجواهري، والشيخ عبد العزيز الجواهري ووالد محمد مهدي الجواهري الشاعر ووالد عبد الهادي الجواهري.
والشروقي نسبة يطلقها الناس على قبائل الجنوب ودجلة والجنوب الشرقي من العراق وقد حول الشيخ علي الشرقي هذا الشروق إلى الشرق فعرف بالشرقي ليس بقصد التصحيح وحده وانما تنزيها عما كان يرافق مفهوم كلمة الشروقي عند النجفيين من بلادة وغباوة، فقد زعم النجفيون بان أغلب طلاب العلم من الشروقيين بطيئون في فهم المطالب العلمية وان الشيخ جعفر الشروقي وأضرابه من العلماء الشروقيين وفضلائهم هم شواذ على زعم النجفيين ولا يجوز القياس عليهم.
لقد مات والد الشيخ علي الشرقي وهو لم يزل صبيا فكفله خاله الشيخ عبد الحسين الجواهري، وكان بيت الشيخ عبد الحسين عبارة عن ديوان أدب يحضره الكثير من رجالات الشعر والأدب أمثال الشيخ جواد الشبيبي والسيد باقر الهندي والشيخ هادي الشيخ عباس والسيد جعفر الحلي، والشيخ عبد الكريم الجزائري، وقد كان هذا الديوان بمثابة مدرسة كان لها شأن غير قليل في صقل ذهن الشرقي ونضجه.
وخطا الشرقي في السن وادراك الحرية خطوات جعلته من أوائل المعتنقين لفكرة استقلال العرب والدعوة إلى العروبة.
وخطا الشرقي في الأدب خطوات جريئة إذ احتوى على جانب كبير من الوخز بالتقاليد والنقد والاستهجان، وكان قد ألم باللغة الفارسية فطعمت الفارسية شعره بالكثير من المعاني والأخيلة وحببت له نظم الرباعيات، وعرف الشرقي بطراز نظمه وصيد المعاني وطريقة النسج بكونه من أوائل المجددين في الشعر لا بل لم يكن قد سبقه شاعر في نسج الفكرة على ذلك النمط الذي حببه للأدباء والمتذوقين وكرهه للمجتمع الذي حارب تقاليده ولا سيما المرائين من رجال الدين الذين كثيرا ما اشبعهم في رباعياته وخزا وكثيرا ما حدث له ما يشبه الصخب واللعن كلما ظهرت له رباعية جديدة تفيض بهذا الوخز والاستهانة ومن هذه الرباعيات المبتكرة المجددة قوله وهو يخاطب الزعيم الروحاني المرائي الذي يتظاهر بما ليس فيه، ولا ولا يصدع بما أمر به إذ يقول: