يا تاركي حلف الأسى اتغاضيا * أم ملت عني أم مللت تولعي حاشاك انك ما برحت أخا وفا * ولتلك من شيم الصدوق الأورع صدق الآخا لك حسب غير مدافع * ولكم أخ لك يدعي أو كالدعي لكن سبقت إلى جوار الله في * دار البقا ورغيد عيشه ممرع قدمت من دنياك كل كريمة * فقدمت في الأخرى لأكرم مرتع لا زلت تشأو في رقيك للعلى * حتى سموت إلى المحل الارفع رضيت ربك في حياتك كلها * فجزاك ربك بالرضى فتمتع شتان ما بيني وبينك نسبه * بعد النوى ولانت نسبة منزعي النور بين يديك يسعى والهدى * والنار بين جوانحي لم تهجع أشقى ببعدك إذ سعدت مقربا * وأراع فيك وأنت لاه ترتعي يهينك انك في الجنان ممتع * قوبلت بالنعمى وخصب المربع وأنا المعذب فيك لو شاهدتني * والنار تسعر في فؤادي المولع فاذهب كما ذهب العبير تضمخت * بشذاة أندية الجهات الأربع وسقى ثراك من الغوادي مودق * كنداك وكاف ليس بمقلع وقال مؤرخا عام وفاته ليكتب على محل قبره:
يا زائرا قبرا به شمس الهدى * غربت فأشرق حكمة وصوابا لكأنه الطور الذي موسى رأى * فيه على النار الهدى وأصابا اخلع نعالك انها الوادي المقدس * بابن موسى تربة وجنابا فيها أبك واسجد واقترب فالقائم * المهدي جده بها قد غابا عبد الكريم العالم العلم التقي * البر أنداها يدا ورحابا فرع زكا في دوح باسقة العلى * عن خير أصل غرسه قد طابا عبد الكريم ومذ دعي ارخته * لخلود جنات النعيم أجابا وله يرثي السيد علي ابن عم المؤلف السيد محمود من قصيدة:
من فل مرهف هاشم وغرارها * وابتز غالب عزها وفخارها من ساء عدنانا بفقد عميدها * ويطودها السامي أساء نزارها شقوا ضريحك في الثرى لو انصفوا * شقوا اللوب ووسدوك ثراها وأروك في ردم الصفيح ولو دروا * هالوا عليك من العيون شفارها السيد علي ابن عمنا السيد محمود.
كان عالما محققا مدققا فقيها أصوليا قوي الحجة حسن الوصول إلى دقيق المطالب على غاية من الإنصاف في المباحثة والمناظرة جيد العبارة عاقلا حازما كيسا ورعا تقيا شاعرا أديبا أريحيا نقادا للشعر رئيسا مهيبا مطاعا نافذ الكلمة محمود النقيبة لا يقدم عليه أحد في جبل عامل في عصره رقيق الطبع معتدل السليقة حلو العشرة حسن المحاضرة على جانب عظيم من حسن الخلق ولين الجانب ورجاحة العقل وكرم الطباع وإصابة الرأي وعلو الهمة وشرف النفس صبيح الوجه بهي المنظر اتفقت على حبه وتعظيمه جميع الناس من جميع المذاهب.
ولد في شقرا من قرى جبل عامل في حدود سنة 1276 وتوفي ليلة السبت الحادية عشرة من شهر شوال سنة 1328 بعد العشاء فيكون عمره نحوا من اثنين وخمسين سنة قضاها في خدمة العلم إفادة واستفادة وفي تأييد الدين وقضاء حوائج المؤمنين واصلاح ذات بينهم والقضاء بين الخصوم وإفتاء المستفتين.
وبعد ان حفظ القرآن العظيم في مدة يسيرة ولما يبيع السبع تفرع لطلب العلم فقرأ في شقراء ثم في حنويه في مدرسة الشيخ محمد علي عز الدين ثم توجه إلى العراق مع أخيه السيد محمد في حدود سنة 1160 وعمره نحو أربع عشرة سنة، وكان يقول بلغت الحلم في النجف الأشرف فقرأ فيه في علم العربية عند جماعة وقرأ في الأصول على الشيخ احمد ابن الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر الذي كان وحيدا في توقد الذهن وطيب الأخلاق والمثابرة على الإفادة والاستفادة، توفي في شبابه ولو أمهله الدهر لكان له في العلم شأن كبير. وقرأ أيضا على أخيه الشيخ حسن الذي عمر طويلا وتوفي من مدة قريبة وعلى الشيخ محمود الذهب النجفي وغيرهم، هذا في السطوح واما الدروس الخارجة فقرأ في الفقه والأصول مدة وجيزة على شيخنا الفقيه المرحوم الشيخ آغا رضا ابن الشيخ آغا محمد هادي الهمداني صاحب مصباح الفقيه وغيره من المصنفات وفي الفقه على الشيخ الفقيه أحد رؤساء ذلك العصر الشيخ محمد حسين الكاظمي صاحب هداية الأنام في شرح شرائع الاسلام إلى حين وفاة الشيخ وفي الفقه أيضا على الشيخ الفقيه المحقق المدقق الشيخ محمد طه نجف أحد رؤساء ذلك العصر أيضا إلى حين سفره لجبل عامل، وفي الأصول على خاتمة المحققين أحد رؤساء عصرنا الشيخ ملا كاظم الخراساني صاحب الكفاية وغيرها من المنصفات الشهيرة في الأصول والفقه، وفي الفقه على الشيخ الفقيه أحد رؤساء ذلك العصر الشيخ ميرزا حسين ابن الحاج ميرزا خليل الطهراني وعلى غير هؤلاء. وتخرج على يده في العراق وجبل عامل عدد كثير من العلماء والفضلاء وكان يقول باحثت المطول للتفتازاني أربع عشرة مرة وبقي في النجف الأشرف في خدمة العلم نحوا من إحدى وعشرين سنة زار في أثنائها مرقد الإمام الرضا ع في خراسان بصحبة والده ثم رجع إلى جبل عامل في أوائل سنة 1311 فأعاد بناء مدرسة أجداده في شقراء التي أنشأها جد جده المرحوم السيد أبو الحسن وسماها المدرسة العلوية فتوافدت عليها الطلاب من سائر الأقطار وتخرج منها طلبة أفاضل وبقيت مدة طويلة زاهرة بالعلوم والمعارف ولكنها في آخر الأمر انحل نظامها. وأقام في جبل عامل نحوا من ثماني عشرة سنة قضاها في التدريس والتعليم والقضاء بين الخصوم والسعي في حوائج الناس وتوقيع الفتاوى.
ولما كان قرب وفاته صلى بالناس صلاة عيد الفطر ثم توعك ثم اشتدت به الحمى فلبى دعوة ربه، ولما طار نبا وفاته ارتجت جبال عاملة بمن فيها وحدث في جميع طبقات الناس من الحزن والتفجع والبكاء والأسف والكمد ما لم يسمع بمثله ثم دفن من الغد بجوار قبر جد جده السيد أبي الحسن موسى في مقبرته الخاصة به وحضر لتشييعه ما يزد عن عشرة آلاف وكلهم باكون متفجعون فكان يوما هائلا وخطبا جسيما تغمده الله برحمته وأسكنه مع أجداده الطاهرين في بحبوحة جنته ورثاه جماعة كثيرون بغرر القصائد وجلها مذكور في تراجمهم من هذا الكتاب. وله كتاب في المواريث وبعض تعليقات وله أشعار هي على قلتها بمكان من الجودة والرصانة والرقة والانسجام فمنها قوله وقد كتب إليه خاله الشيخ مهدي شمس الدين بهذه الأبيات:
أقسمت بالمصطفى المبعوث جدكم * وقدر جدكم المبعوث محترم ان مثلت غيركم نفسي فقد كذبت * أجل ورؤية عيني غيركم حلم فما لنفسي سواكم قط من غرض * وما لجرحى إذا أرضاكم ألم