الشيخ الحاكم أبو منصور علي بن عبد الله الزيادي.
يروي عن جعفر بن أحمد بن العباس بن محمد العبسي الدوريستي بحق روايته عنه في أواخر ذي الحجة سنة 474 عن أبيه محمد بن أحمد عن الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي.
سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان.
ولد في سنة 303 وتوفي سنة 356 البطل العربي الذي صمد في وجه الروم ورد عاديتهم عن بلاد الشام وحمى موطنه من غاراتهم وحكمهم، فلقد أنشأ علي بن حمدان دولته الحمدانية في احرج ظرف من ظروف العرب والمسلمين، حين قام نقفور فوقاس الثاني يلوح بمطامعه الهوجاء، ويزمجر بأمانيه الواسعة في استرداد بلاد الشام والنفاذ منها حتى إلى الحجاز، ولقد كان ضعف الخلافة وتشتت قواها، وتمزق شمل البلاد وانقسامها مما أغراه على الطمع وشجعه على الاقدام، ولكنه واجه الصخرة الصلدة التي تحطمت عليها آماله وتبعثرت فيها مطامعه، واجه سيف الدولة بفروسيته المفادية وشجاعته المتعالية، فرده خائبا وتغلل في صميم بلاده، واشتبك معه بمعارك كانت من أروع الصفحات في تاريخنا الحربي والسياسي والأدبي، وحسبك انها أبرزت بطلا كسيف الدولة وشاعرين كالمتنبي وأبي فراس، وانها كانت كفيلة بحفظ البلاد وحمايتها ورد الروم عنها إلى الأبد.
وكما كان سيف الدولة مجليا في الميدان العسكري فقد كان مجليا كذلك في ميادين العلوم والآداب إذ جمع في بلاطه من العلماء والشعراء والأدباء ما كان منهم خير حفظة لتراث العرب، وأفضل رواد لثقافتهم.
مزاياه كل ما اتصف به سيف الدولة كان جديرا بان يجذب إليه الشعراء:
شجاعته وحروبه المتعددة توفر لهم مواد المدح الفخم، كرمه الفياض يرغبهم في صحبته، حبه للأدب ومعرفته بالشعر، يعزز فيهم المنافسة، عصبيته للعرب تعيد إليهم ما انقرض من موضوعات الفخر القديم، تساهله وسعة ثقافته تجرئهم على أقوال ما كانوا ليجرأوا عليها في حضرة أمير جاهل ضيق الصدر.
أما شجاعته فالشواهد عليها كثيرة. ونكتفي بالقول انه بدأ غزو الروم ومحاربتهم وهو لا يتجاوز التاسعة عشر أو الحادية والعشرين، ولم يكف عن المعارك يباشرها بنفسه وراكبا أو ماشيا حتى وفاته، اي مدة اثنتين وثلاثين سنة، لا تمر عليه سنة الا ويسير للحرب إما غازيا أو مدافعا، إما منتصرا أو منكسرا. حتى اننا لا نرى مبالغة في قول من قال إن سيف الدولة كان كلما رجع من غزوة نفض ما علق ثيابه من غبار فجمعه في مكان، واوصى بان يصنع منه لبنة توضع تحت خده في قبره، فنفذت وصيته. ومهما يكن من أمر فان في الحادثة رمزا دقيقا إلى سعة غزوات ذاك الأمير.
ومن الطبيعي ان تقترن هذه الشجاعة بفروسية ماهرة فيظهر سيف الدولة من أشهر خياله عصره، ومن أشرقهم في الحرب، يطاعن بالرمح، ويجالد بالسيف، ويستعمل أحيانا نوعا من السلاح يعرف بالمستوفي: وهو عمود من حديد طوله ذراعان، مربع الشكل، له مقبض مستدير.
وفي كرمه نوادر عديدة لا باس بذكر بعضها:
روى ابن ظافر في تاريخ سنة أربع وخمسين وثلثمائة ان سيف الدولة صاهر أخاه ناصر الدولة، فزوج ابنيه أبا المكارم وأبا المعالي بابنتي ناصر الدولة وزوج أبا تغلب بابنته ست الناس. وضرب دنانير كبيرة، في كل دينار منها ثلاثون دينارا وعشرون وعشرة عليها مكتوب: لا إله إلا الله.
محمد رسول الله. أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. فاطمة الزهراء.
الحسن. الحسين. جبريل. ع وعلى الجانب الآخر: أمير المؤمنين المطيع لله. الأميران الفاضلان: ناصر الدولة، سيف الدولة.
الأميران أبو تغلب وأبو المكارم وجاد بما لم يجد به أحد. ويقال ان مبلغ ما جاد به سبعمائة ألف دينار.
ونقل الثعالبي في يتيمة الدهر عن أبي الحسين محمد بن علي العلوي الحسيني الهمذاني قال: كنت واقفا في السماطين بين يدي سيف الدولة بحلب، والشعراء ينشدون، فتقدم إليه عربي رث الهيئة، فاستأذن الحجاب في الإنشاد، فأدنوه فانشد هذه الأبيات:
أنت علي وهذه حلب * قد نفد الزاد، وانتهى الطلب عبدك الدهر قد أضر بنا * إليك من جور عبدك الهرب فقال سيف الدولة: أحسنت، ولله أنت، وامر له بمائة دينار.
وحكى ابن لبيب، غلام أبي الفرج ألببغاء ان سيف الدولة كان قد أمر بضرب دنانير للصلات في كل دينار منها عشرة مثاقيل وعليه اسمه وصورته. فامر يوما لأبي الفرج منها بعشرة دنانير فقال ارتجالا:
نحن بجود الأمير في حرم * نرتع بين السعود والنعم أبدع من هذه الدنانير لم * يجر قديما في خاطر الكرم فقد غدت، باسمه وصورته * في دهرنا، عوذة من العدم فزاده عشرة أخرى.
وقال ابن خلكان: قال أبو القاسم عثمان بن محمد العراقي، قاضي عين زربة: حضرت مجلس الأمير سيف الدولة بحلب، وقد وافاه القاضي أبو نصر محمد بن محمد النيسابوري، فطرح من كمه كيسا فارغا ودرجا فيه شعر استأذن في انشاده فاذن له فانشد قصيدة أولها:
حباؤك معتاد، وأمرك نافذ * وعبدك محتاج إلى ألف درهم فلما فرع من انشادها ضحك سيف الدولة ضحكا شديدا. وأمر له بألف دينار فجعلت في الكيس الفارع الذي كان معه.
وقد عرف سيف الدولة بعصبيته للعرب، وهو ممثل العروبة الوحيد في ذلك العصر. وهذه أقوال الشعراء تشهد بذلك. بل إن عروبته هذه كانت من الأسباب التي دعت المتنبي، وهو الشاعر العربي الأكبر، إلى الاتصال به ذاك الاتصال الوثيق فمثلا في عصرهما النزعة العربية سياسة وأدبا.
ابتداء امره يروي التنوخي على لسان سيف الدولة نفسه قصته مع أخيه ناصر الدولة ازاء فتح حلب، وقصة التنوخي منقولة عن أبي يعلى محمد بن يعقوب البريدي الكاتب عن سيف الدولة نفسه. يقول سيف الدولة محدثا البريدي: لما رجعنا من بغداد اقتصر بي أخي ناصر الدولة على نصيبين،