عريض الجبهة، ووجهه مائل إلى الاستطالة. قوي البنية. يلبس الطربوش، وطربوشه دائما من النوع الطويل يضيق في أعلاه. غير متقن اللباس ولا يبالي. هيئة التفكير بادية عليه دائما. إذا تكلم كان كلامه بطيئا.
لهجته مثقفة، لا هي بيروتية ولا شامية، وتحمل اثر اللغة المهذبة، يصغي إلى محدثه بكل عناية، إذا أدركه انفعال نفساني علاء صوته وأسرع نطقه هادئ وبارز الاتزان، ولكنه يغضب بسرعة إذا رأى أن شعوره قد مس. ثم لا يلبث ان يعود إلى الرضي والسكينة له قوة كبيرة في احتمال الخصوم، وقوة أوسع وأكبر في تاليف القلوب.
طريقته في الاستمالة والاستجلاب مبنية على معنى بيت من الشعر لابن العربي كان عبد الكريم يتمثل به:
أدر ذكر قول الحق في أذن سامع * ودعه فنور الحق يعلو ويسطع وكانت له قوة فراسة عجيبة في وجوه الرجال قلما تخيب. إذا اكتشف نقيصة في شخص كان قد امنه واستوثق منه، فإنه لا ينقلب عدوا له سافرا، ولا عدوا يظهر المودة ويبطن ما هو ضدها، بل يظل حسن المسايرة لذلك الشخص.
ليس للمال عنده قيمة الا لقضاء الحاجات. كان جيبه كيسا مفتوحا لكل يد، حتى لخصومه ومناوئيه.
يكره ان يسمع العربي يستعمل في حديثه عبارات أجنبية ولو كانت دائرة على السنة محبي الثقافة الأجنبية. من استغراقه في التفكير ينسى أموره الشخصية، وهذا كان الغالب عليه لا يشبع من مطالعة الصحف. وكان يكاتب المؤيد في مصر للشيخ علي يوسف ابتغاء ايصال أشياء سياسية في الرسائل لا يمكن ارسالها بطريقة أخرى.
كان يتقن العربية والتركية ويعرف الفرنسية قليلا. كانت خطبه من حيث المستوى الفكري والتعبيري كأجود خطب اليوم. ولكنه لم يكن ينشر مقالات في الصحف اليومية فهو من هذه الناحية ليس كاتبا صحفيا.
من نوادر أموره انه كان مولعا بلعبة السيف والترس ومتقنا لها، ولعله أحب هذه اللعبة في صغره لاشتمالها على عنصر بطولة وحذق فظل يميل إليها. من الغريب في هذه الصدد انه إذا شرع في هذه اللعبة، فلا يلبث ان تتجسم حماسته لدوران السيف في يده، ويشتد هياجه البطولي إلى حد ان أحدا لا يقوى على الاقتراب منه.
إلى أن قال نويهض راويا عن السندروسي:
لما فاتحني عبد الكريم بأمر الحركة السرية، كان ذلك سنة 1908 ولكنه لم يذكر لي اسم الهيئة أو الجمعية الخفية، مع ايضاحه لي غايتها القومية هذه غير المنتدى وانا لم أسأله ان يبين اي مزيد، ومشت الأمور، وفهمت بعد وقت انها هي جمعية الشبيبة العربية الموجه الخفي للحركة كلها، وما المنتدى الا قناع خارجي لها.
وقال السندروسي: وقد فهمت ان الجمعية كانت قد ألفت قبل الآن بثلاث سنوات إما عدد الأعضاء فمن الصعب معرفته لان السؤال عن مثل هذا كان ممنوعا. رقم السندروسي كان 27 في سنة 1908. ولا يدري أ حقيقي هذا الرقم أم رمزي وكان رقم العضو يطبع على قطعة جلد ناعم مما يستعمل لمسح العوينات، وهي بيضاء، وتختم بخاتم صغير لا يحمل الا كلمتين الشبيبة العربية والرقم.
وقال حسن الخليل: ولد المترجم سنة 1884 في الشياح وتعلم العلوم الابتدائية أولا: في المدرسة القرآنية ثم في المكتب الاعدادي في بيروت حيث نال شهادته الثانوية ثم ذهب إلى الآستانة ودخل في مكتب الملكية وبالوقت نفسه سجل اسمه مع طلاب مكتب الحقوق سنة 1905 وتخرج منهما سنة 1909.
ثم يروي كيفية اعتقاله فيقول:
كنت انا وعبد الكريم في قهوة خريستو ويوم اعتقاله يومئذ في بيروت قهوة الحمراء اليوم صباح يوم من أواخر شهر حزيران 1915 فجاء مفوض شرطة تركي وقال له ان مدير البوليس يرغب في مقابلتك الآن ثم تركنا وذهب فأخذني معه إلى دائرة البوليس حيث دخلنا على المدير محيي الدين بك الذي استقبلنا بلباقته المعروفة ثم قدم لنا القهوة والسكاير ثم بأسلوب ناعم قال لعبد الكريم انك مطلوب للمثول امام ديوان الحرب العرفي في عالية بأمر من جمال باشا فيجب ان تذهب فورا بحراسة رجال البوليس فلم ينبس عبد الكريم ببنت شفة لكنه اخرج ورقة من جيبه واحرقها بعد ان أشعل سيجارة وغمزني بطرف عينه ففهمت ان مراده حرق أوراقه الموجودة في البيت فذهبت فورا وأحرقت جميع أوراقه الخاصة.
الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ حسن صادق (1) توفي في بلدة الخيام ودفن فيها سنة 1384 عن اثنين وثمانين سنة كان عالما فاضلا شاعرا على جانب من التقوى والورع وصفاء النفس وطيب الأحدوثة مؤثرا العزلة وكانت دراسته الأولى في جبل عامل على الشيخ عبد الحسين صادق ثم ذهب إلى النجف الأشرف فبقي زهاء ست عشرة سنة، درس فيها على السيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ حسين النائيني وغيرهما، ثم عاد إلى جبل عامل فأقام في بلدة الخيام حتى وفاته.
وكان والده الشيخ حسن قد ذهب إلى العراق لطلب العلم ولكنه عاد لعوارض صحية عرضت له. وحفيده الشيخ احمد درس في النجف زهاء عشر سنين وعاد إلى جبل عامل.
شعره له شعر كثير منه مجموعة قصائد منها سلسلة في الإلاهيات والمحمدية والعلوية والحسينية والزينبية. نأخذ منها ما يأتي:
القصيدة العلوية مضى طه وقام وصي طه * مديرا من شريعته رحاها وفوق منصة الاحكام منها * علي قد تربع واعتلاها ففاضت ثم فاضت ثم فاضت * ركي الفضل طافحة دلاها فلو وردته عطش الخلق طرا * لروى من منابعه ظماها له من فوق منبره سلوني * سلوني هل بها الاه فاها