أبو دلف القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل ابن الشيخ بن عمير العجلي.
توفي سنة 225.
الأمير المشهور بالجود والشجاعة، والعجلي بكسر العين نسبة إلى عجل بن لجيم بطن من بكر بن وائل.
وهو من بلد يقال لها الكرج بالتحريك بينها وبين نهاوند مرحلتان وقال ابن الأثير هي مدينة بالجبل بين أصبهان وهمذان ابتدأ بعمارتها عيسى بن إدريس وأتمها ابنه أبو دلف.
وفي معجم الشعراء للمرزباني: شريف شاعر أديب فاضل شجاع جواد قلده الرشيد وهو حديث السن اعمال الجبل فلم يزل عليها إلى أن توفي وهو القائل:
في كل يوم ارى بيضاء طالعة * كأنما نبتت في ناظر البصر وله:
أ مالكتي ردي علي فؤاديا * ونومي فقد شردته عن وساديا أ لا تتقين الله في قتل عاشق * أمت الكرى عنه فأحيا لياليا وذكر غير واحد من المؤرخين انه لحق أكرادا قطعوا الطريق في عمله وقد اردف منهم فارس رفيقا له خلفه فطعنهما جميعا فانفذ فيهما الرمح فلما قدم دخل عليه بكر بن النطاح فانشده:
قالوا وينظم فارسين بطعنة * يوم اللقاء ولا يراه جليلا لا تعجبوا لو أن طول قناته * ميل إذن نظم الفوارس ميلا وقال الدكتور احمد الجواري:
لم يعرف التاريخ العربي قائدا شجاعا مثل هذا القائد الشاعر الأديب الذي يتلهب شوقا كي يكون له شأن مع الخليفة المأمون في هذا العالم المجاهد الطموح.
ولقد كان أبو دلف من قواد المأمون، ولكنه لم يشأ أن يقص علينا شيئا من بلائه في عهد هذه الخليفة. ولعله قد اجتمع بالمأمون في ولائه للعلويين وميله إليهم، فان على ذلك معقد اجماع المؤرخين ولهم فيه روايات تدل على أن ولاءه لآل بيت رسول الله عقيدة كان يرجو بها لقاء ربه ومرضاته.
ولم يكن ذلك وحده هو الذي أعلقه بقلب المأمون، بل لقد كان فيما يروي من أخباره مجمعا لصفات وخصال تدنو به من نفس خليفة عالم راجح العقل، أديب متذوق، يحسن مجالسة الرجال ويتلذذ بها. كذلك كان المأمون وكذلك كان جليسه وصفيه أبو دلف.
فلقد كان هذا القائد العربي مشهورا بالشجاعة معروفا بالكرم والبذل، وكان إلى جانب ذلك يحسن من فنون عصره ما يحسن. ويذكر مؤرخوه أنه كان شاعرا ذا أدب ورواية، أخذ عنه الأدباء والفضلاء، وله صنعة في الغناء.
ولقد ألف كتبا في الحرب وفي اللهو والأنس، وفي سياسة الدولة، يذكر له ابن خلكان منها كتاب البزاة والصيد، وكتاب النزه، وكتاب السلاح، وكتاب سياسة الملوك وغير ذلك.
لقد كان أبو دلف مثالا رائعا للفتوة العربية جمع بين الدين والدنيا، وأخذ بأسباب من الحضارة في العلم وفي الأدب وفي الترف الذي لا يقدح في مروءة ولا ينتقص من رجولة.
ولعل في أخباره مع المأمون ما يجلو لنا شخصيته أفضل جلاء، ويبرز مزاياه وخصائصه أيما ابراز.
روى المسعودي في مروج الذهب: أن أبا دلف دخل على المأمون فقال له: يا قاسم ما أحسن أبياتك في صفة الحرب ولذاذتك بها وزهدك في المغنيات؟ قال: يا أمير المؤمنين أي أبيات هي؟ قال: قولك:
لسل السيوف وشق الصفوف ونقض التراب وضرب القلل قال: ثم ما ذا يا قاسم؟ قال:
لبس العجاجة والخافقات * تريك المنايا بروس القلل وقد كشفت عن سناها هناك * كان عليها شروق الطفل خروس نطوق إذا استنطقت * جهول تطيش على من جهل ألذ وأشهى من المسمعات * وشرب المدامة في يوم طل أنا ابن الحمام وترب الصفاح * وترب المنون وترب الأجل ثم قال: يا أمير المؤمنين هذه لذتي مع أعدائك، وقوتي مع أوليائك، ويدي معك، ولئن استلذه شيئا من يد المعاقرة ملت إلى المقادمة والمحاربة. قال المأمون: يا قاسم إذا كان هذا النمط من الاشعار شانك، واللذة لذاتك فما ذا تركت للوسنان، وأظهرت له من قليل ما سترت؟
قال: يا أمير المؤمنين وأي أشعاري؟ قال: حيث تقول:
أيها الراقد المؤرق عيني * نم هنيئا لك الرقاد اللذيذ علم الله ان قلبي مما * قد جنت وجنتاك فيه وقيذ قال أبو دلف، يا أمير المؤمنين، سهرة من بعد سهرة غلبت، وذلك متقدم، وهذا ظن متأخر. قال المأمون: يا قاسم، ما أحسن ما قال صاحب هذين البيتين:
أذم لك الأيام في ذات بيننا * وما لليالي في الذي بيننا عذر إذا لم يكن بين المحبين زورة * سوى ذكر شئ قد مضى درس الفكر فقال أبو دلف: ما أحسن ما قال، يا أمير المؤمنين، هذا السيد الهاشمي والملك العباسي.
قال المأمون: وكيف أدتك الفطنة ولم تداخلك الظنة حتى تحققت أني صاحبهما، ولم يداخلك الشك فيهما؟ قال أبو دلف: يا أمير المؤمنين، انما الشعر بساط صوف، فمن خلط الشعر بنقي الصوف ظهر رونقه عند التصنيف، ونار ضوئه عند التأليف.
هكذا كان أبو دلف يأخذ من متع الدنيا بنصيب، وكان في وافر ماله وعريض ثرائه كريما، بل كان أمثولة في الكرم، يعطي حتى لا يبلغ شاوه في العطاء، ويبذل ماله بذل السخي الذي يجد في البذل: متعة عيشه ولذة