والعزلة التامة عن مخالطة الناس وكان مقيدا بآداب الشرع شديد المحافظة عليها مع زهد وورع تام وله حواش كثيرة على غالب الكتب المتداولة في الكلام والحكمة ان كتبها على حواشي كتبه ولم يدونها مستقلة. هكذا أرسل إلينا ترجمته صديقنا الشيخ فضل الله الزنجاني. عبد المجيد بن محمد بن أمين البغدادي الحلي.
ولد في 17 ذي القعدة سنة 1282 وتوفي في 17 ذي القعدة سنة 1342 في النجف ودفن بها. شاعر له يد في نظم التاريخ نظم تاريخا لمقام أمير المؤمنين ع بالحلة بخرج منه ثمانية وعشرون تاريخا ونظم تاريخا لمقام المهدي يخرج منه أيضا مثل ذلك ومن شعره قوله وقد تعلق بضريح الحسين ع.
يدي وجناحا فطرس قد تعلقا * بجاه ذبيح الله وابن ذبيحه فان ساد في أم فأنت ابن فاطم * وإن ساد في مهد فأنت أبو المهدي وقوله في أمير المؤمنين ع.
من حمى المرتضى التجأت لحضن * قد حمى منه جانب العز ليث فحبانا أمنا وجاد بمن * فهو في الحالتين غوث وغيث وقوله في الكاظمين ع.
لي بالجوادين أقصى ما أؤمله * من الرجاء ومن مثل الجوادين محا محلهما عني الجوى كرما * فليمح جودهما مثل الجوى ديني الشيخ عبد المحسن الكاظمي بن محمد بن علي بن المحسن.
ولد سنة 1288 في حي الدهانة ببغداد.
هاجر سنة 1897 م إلى إيران فالهند وانتهى به المطاف إلى مصر سنة 1899 م وتوفي فيها سنة 1354 ه.
قال رفائيل بطي:
روى في شيخوخته للصحفي المصري طاهر الطناحي عن حياته ما خلاصته: أخذني أهلي في طفولتي إلى كتاب فقيهة في البلد، انتقلت من عندها إلى معلم إيراني يعلمني الفارسية، لأن أبي تاجر، ولتجار العراق صلات وثقى بإيران والأفغان والهند، والمكاتبة التجارية بهذا اللسان، فدرست عنده ستة أشهر حتى إذا ترك مهنته قصدت إلى مدرس عربي، لم أثابر على التعلم عنده طويلا، وقادني ولعي بالقراءة إلى تطلب المخطوطات العربية والفارسية وتصفحها، وكانت من حولي في الكاظمية كثيرة. أما كيف هوى العلم والأدب، وأبوه يتعاطى التجارة، فيقول أنه رأى تكريما عظيما لرجل في مجلس جده فسال من يكون؟ فأجيب بأنه عالم، فعلقت نفسه بالعلم والأدب، ومال عن تجارة أبيه، وقد أعانه أخوه محمد حسين على المسلك الأدبي، وكان أخوه يقول الشعر، وأكثر ما انساق إلى كتب الأدب. وأخذ يعب من المعين الأدبي، يقرأ ويحفظ الأشعار التي يستملحها، في غفلة من أقاربه، حتى فضحته مطارحة شعرية مع أخيه وزملاء له، وقد بدأ يقول الشعر في السادسة عشرة من سنيه.
ولم يفد مع الفتى الموهوب إغراء أبيه بالتجارة، ولا أفلح صرفه إياه عن تعاطي صناعة لا سوق لها، ثم عالج زمنا الزراعة بوحي البيئة أيضا، فالقوم كانوا منشغلين في ذلك العهد بالزراعة، وقليل منهم بالتجارة حتى إذا باء بالفشل تاجرا ومزارعا انكفا إلى كتبه ودفاتره. وانكب على القراءة والكتابة والنظم. وهيأت له الأيام شاعرا كبيرا انتجع الكاظمية مستروحا، هو السيد إبراهيم الطباطبائي النجفي، فتتلمذ عليه وأخذ عنه وحاكاه في سرعة البديهة.
بهذا الهوس انهمك عبد المحسن في حفظ الشعر العربي القديم، وأسعفته حافظته فوعى أكثر من اثني عشر ألف بيت من مختار القصيد، وكانت تواتيه ذاكرته أيضا، فبرز راوية يشار إليه بالبنان، حتى غدت له سليقة في محاكاة الفحول من الشعراء الذين حفظ آثارهم، بل كان يذكر ويروي قصائده ومعظمها من المطولات، بينها ذات المئين، مع أن بعض كبار الشعراء، لم يكن يحفظ قصيدته الواحدة بتمامها. فما بلغ العشرين ربيعا الا وقد احتل في ديوان الأدب مكانا ملحوظا.
ولما وفد على العراق السيد جمال الدين الأفغاني منفيا من إيران تعرف الشاعر الفتى بجمال الدين ولازمه، وأخذ عنه طرفا من العلوم، وتوجيها في التفكير، واعتنق مبادئه. ثم نفي الأفغاني من العراق، ولاحقت النقمة من كان يلوذ به من شباب الجيل، فتحرج موقف الكاظمي، فتناولته عيون السلطة، وضايقته السعاية والكيد حتى بين ذوي قرباه. ولو لم يتداركه قائد عسكري شهم هو رجب باشا لإصابة المكروه. وفقد في أيام المحنة وهو يشاغل الأرصاد والمتعقبين رزمة من كتب وأوراق فيها شعره وكتاباته رماها في النهر صديق أشفق عليه من يد الجند واعتزم الهجرة. ولئلا يقع في الفخ لاذ بالقنصلية الإيرانية ببغداد، ولبيته فيها شأن مرموق، إذ كان أحد أجداده يتاجر بالجلود في إيران فسمي بالفارسية بوست فروش ولصق هذا اللقب باسرته دهرا طويلا. ومن هذا المخبأ تسلل إلى البصرة وجنح إلى أبو شير حيث صرف أشهرا، ثم عاد إلى بغداد اعتمادا على تحسين صديق بزوال المانع، فلم يصدق فاله. فرحل ثانية إلى إيران عام 1897، وشخص إلى الهند وتوجه إلى مصر على أن يبرحها إلى إسطنبول، ثم يرجع إلى مسقط رأسه. وفي مصر مرض فقعد عن السفر، وكتب له أن يتوطنها إلى غاية العمر، وقد ضعف بصره، وكاد أن يفقده في أخريات أيامه.
قدم عبد المحسن الكاظمي مصر أديبا مكتمل الأداة، وشاعرا جيد النظم. في شعره رصانة، وفي بداهته مثار إعجاب وإكبار، وتنسم في ظلال مصر نسيم حرية في الجو الفكري، ومجالا للقول الصريح، وصحائف تنطق بالكلمة الحرة فيدوي صداها في المجتمع ومن مصر اتصل اتصالا وثيقا بالشيخ محمد عبده وقد كانت حياته في مصر حياة ضيق مالي شديد.
ورغما عن ذلك فان منزلته الاجتماعية لم يمسها إعوازه المال فشارك في المساعي للدعاية العربية وأرسل القوافي وأنشد القصائد هز بها المحافل، وكانت حياته على ضفاف النيل ترضى طموحه الأدبي.
ومن بدء إذاعة الصحف المصرية شعره استحسنه الناس واستجاده