ولو قصد ذلك لاقتصر على جوابه الأول ان له حقا في بيت المال فاخذه فلما اجابه علي ع انك أخذت أكثر من حقك كان يمكنه ان يجيب بجواب مموه يدل على أنه ليس أكثر من حقه فيكون أقرب إلى القبول من هذا الجواب الذي يعرف فساده كل أحد ومن ذلك يتطرق الشك إلى باقي المكاتبة وجواباتها. وحكى ابن أبي الحديد عن الراوندي ان المكتوب إليه هو عبيد الله لا عبد الله ورده بان عبيد الله كان عاملا لعلي على اليمن ولم ينقل عنه انه اخذ مالا ولا فارق طاعة قال وقد أشكل علي أمر هذا الكتاب فان قلت إنه موضوع على أمير المؤمنين ع خالفت الرواة فإنهم أطبقوا على رواية هذا الكلام عنه وان صرفته إلى عبد الله بن عباس صدني عنه ما اعلمه من ملازمته لطاعة أمير المؤمنين ع في حياته وبعد وفاته وان صرفته إلى غيره لم اعلم إلى من اصرفه من أهل أمير المؤمنين وهو يشعر بان المخاطب به من أهله وبني عمه اه أقول تصريح الكشي بأنه لأمير المؤمنين ع إلى ابن عباس وظهور مضامينه ظهورا بينا في أنه لا يصلح ان يكون المخاطب به غير ابن عباس لم يبق مجال لتردده.
ويظهر ان أمر مفارقته عليا ع واخذه مال بيت مال البصرة كان مشهورا فقد حكي عن قيس بن سعد بن عبادة انه خطب الجيش الذي أرسله الحسن ع للقاء معاوية عندما تركهم أميرهم عبيد الله بن العباس وذهب إلى معاوية فقال ما معناه لا يهولنكم ما فعل فان هؤلاء قد خرج أبوهم العباس لحرب الرسول ص وابنه عبد الله اخذ مال البصرة وهرب إلى مكة وابنه عبيد الله فعل ما ترون. وقد عيره بذلك ابن الزبير فقال إنه اخذ مال البصرة وترك المسلمين بها يرتضخون النوي ولم يتبرأ ابن عباس من ذلك بل اجابه بأنه كان لنا فيه حق فاخذناه.
وقال ابن أبي الحديد: الأكثرون على القول الأول وقال آخرون وهم الأقلون هذا لم يكن ولا فارق عبد الله بن عباس عليا ع ولا باينه ولا خالفه ولم يزل أميرا على البصرة إلى أن قتل علي ع ثم قال وهذا عندي هو الأمثل والأصوب اه. وقال العلامة في الخلاصة: كان محبا لعلي ع وتلميذه حاله في الجلالة والاخلاص لأمير المؤمنين ع أشهر من أن يخفى وقد ذكر الكشي أحاديث تتضمن قدحا فيه وهو أجل من ذلك اه. ومن جملة تلك الأحاديث حديث مفارقته عليا ع واخذه مال بيت مال البصرة المتقدم والحديث الآتي من كتاب أمير المؤمنين إليه في ذلك وجوابه.
وقال الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة: جملة ما ذكره الكشي من الطعن فيه خمسة أحاديث كلها ضعيفة السند. وقال السيد ابن طاوس:
حاله في المحبة والاخلاص لمولانا أمير المؤمنين ع وموالاته والنصر له والذب عنه والخصام في رضاه والمؤازرة له مما لا شبهة فيه ثم قال معرضا باخبار الذم: ومثل الحبر موضع ان يحسده الناس ويباهتون.
كضرائر الحسناء قلن لوجهها * حسدا وبغيا انه لدميم قال ولو ورد في مثله ألف رواية أمكن ان تعرض للتهمة فكيف بهذه الاخبار الضعيفة الركيكة اه. قال ابن أبي الحديد ويدل على عدم مفارقة ابن عباس أمير المؤمنين ع ما رواه أبو الفرج الأصفهاني انه لما استشهد أمير المؤمنين ع دس معاوية رجلا من حمير إلى الكوفة ورجلا من بني ألقين إلى البصرة يكتبان له بالاخبار فدل عليهما فقتلا فكتب عبد الله بن العباس من البصرة إلى معاوية إما بعد فإنك ودسك أخا بني ألقين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش إلى آخر الكتاب فهو يدل على وجوده في البصرة عند وفاة أمير المؤمنين ع. قال وقالوا كيف يكون ذلك ولم يخدعه معاوية ويجره إلى جهته فقد علمتم كيف اختدع كثيرا من عمال أمير المؤمنين ع واستمالهم بالأموال فما باله وقد علم النبوة التي حدثت بينهما لم يستمل ابن عباس وكل من قرأ السير وعرف التواريخ يعرف مشاقة ابن عباس لمعاوية بعد وفاة علي ع وما كان يلقاه به من قوارع الكلام وما كان يثني به على أمير المؤمنين ويذكر خصائصه وفضائله ويصدع به من مناقبه وماثره فلو كان بينهما غبار أو كدر لما كان الامر كذلك اه.
قال المؤلف: انكار اخذ ابن عباس المال من البصرة وانكار كتاب أمير المؤمنين ع إليه المقدم ذكره صعب جدا بعد ملاحظة ما تقدم ولا يحتاج فيه إلى تصحيح روايات الكشي وبعد ما ذكرناه من الشواهد على اشتهار الامر في ذلك كما أن اخلاص ابن عباس لأمير المؤمنين ع وتفوقه في معرفة فضله لا يمكن انكاره والذي يلوح لي ان ابن عباس لما ضايقه أمير المؤمنين ع في الحساب عما اخذ ومن أين اخذ وفيما وضع كما يقتضيه عدله ومحافظته على أموال المسلمين وعلم أنه محاسب على ذلك أدق حساب وغير مسامح في شئ سولت له نفسه اخذ المال من البصرة والذهاب إلى مكة وهو ليس بمعصوم وحب الدنيا مما طبعت عليه النفوس فلما كتب إليه أمير المؤمنين ع ووعظه وطلب منه التوبة تاب وعاد سريعا وعدم نص المؤرخين على عوده لا يضر بل يكفي ذكرهم انه كان بالبصرة عند وفاة أمير المؤمنين ع كما دل عليه كتابه السابق إلى معاوية إما الجواب الأخير الذي زعموا انه أجاب به أمير المؤمنين ع فمعاذ الله ان يصدر منه والله العالم بحقائق الأحوال.
وقد جاء في الجزء أول من أمالي المرتضى:
روى أبو عبيدة قال: دخل عمرو بن عبيد على سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بالبصرة فقال له سليمان: اخبرني عن صاحبك يعني الحسن البصري إلى أن قال فقوله في عبد الله بن العباس يفتينا في القملة والقميلة وطار بأموالنا في ليلة فقال له: فكيف يقول هذا وابن عباس لم يفارق عليا حتى قتل وشهد صلح الحسن ع وأي مال يجتمع في بيت مال البصرة مع حاجة علي إلى الأموال وهو يفرع بيت مال الكوفة في كل خمس ويرشه وقالوا انه كان يقيل فيه فكيف يترك المال يجتمع بالبصرة؟ هذا باطل.
وقال عبد الله بن العباس في أمير المؤمنين علي ع:
وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه ان قيل هل من منازل فدونكه ان كنت تبغي مهاجرا * أشم كنصل السيف غير حلاحل الشيخ عبد الله بن عباس البحراني توفي في حدود 1270 فقيه محدث له 1 شرح المختصر النافع 2 تفسير القرآن مختصر 3 منية الراغبين في فقه الطهارة والصلاة 4 شرح على شرح السيوطي