حذار علي انه غير مخلف * مدى الدهر ما لبى الملبون موعدا ومر ذكرها في وقعة صفين.
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف هو أول من املى في تفسير القرآن عن علي ع. قال أبو الخير في طبقات المفسرين عند ذكره هو ترجمان القرآن وحبر الأمة ورئيس المفسرين.
وعن عطاء: ما رأيت مجلسا قط أكرم من مجلس ابن عباس، كان أصحاب القرآن عنده يسألونه وأصحاب الشعر عنده يسألونه وأصحاب الفقه عنده يسألونه كلهم يصدرهم من واد واسع.
وروى الكليني بسنده عن الصادق ع ان عبد الله بن عباس لما بعثه أمير المؤمنين ع إلى ابن الكواء وأصحابه وعليه قميص رقيق وحلة قالوا: يا ابن عباس أنت خيرنا في أنفسنا وأنت تلبس هذا اللباس فقال: وهذا أول ما أخاصمكم فيه قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق وقال الله عز وجل: خذوا زينتكم عند كل مسجد.
وأرسل معاوية يوم صفين أخاه عتبة إلى الأشعث بن قيس يستميله فلم يجد عنده ما يريد فلما يئس منه قال لعمرو بن العاص ان رأس الناس بعد علي هو عبد الله بن عباس فلو ألقيت إليه كتابا لعلك ترققه به فإنه ان قال شيئا لم يخرج علي منه فقال له عمرو ان ابن عباس لا يخدع ولو طمعت فيه طمعت في علي فقال معاوية: علي ذلك فاكتب إليه فكتب إليه عمرو إما بعد فان الذي نحن وأنتم فيه ليس بأول أمر قاده البلاء وأنت رأس هذا الجمع بعد علي فانظر فيما بقي ودع ما مضى فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا ولكم حياء ولا صبرا واعلموا ان الشام لا تملك الا بهلاك العراق وان العراق لا تملك الا بهلاك الشام وما خيرنا بعد هلاك اعدادنا منكم وما خيركم بعد هلاك اعدادكم منا ولسنا نقول ليت الحرب عادت ولكنا نقول ليتها لم تكن وان فينا من يكره القتال كما أن فيكم من يكرهه وانما هو أمير مطاع أو مأمور مطيع أو مؤتمر مشاور وهو أنت وكتب في أسفل الكتاب أبياتا أولها:
طال البلاء وما يرجى له آسي * بعد الاله سوى رفق ابن عباس فلما قرأ ابن عباس الكتاب اتى به عليا فاقرأه شعره فضحك وقال:
قاتل الله ابن العاص وما أغراه بك يا ابن العباس أجبه وليرد، عليه شعره الفضل بن العباس فإنه شاعر فكتب ابن عباس إلى عمرو: إما بعد فاني لا اعلم رجلا من العرب أقل حياء منك انه مال بك معاوية إلى الهوى وبعته دينك بالثمن اليسير ثم خبطت الناس في عشوة طمعا في الملك فلما لم تر شيئا أعظمت الدنيا اعظام أهل الذنوب وأظهرت فيها نزاهة أهل الورع فان كنت ترضى الله بذلك فدع مصر وارجع إلى بيتك وهذه الحرب ليس فيها معاوية كعلي ابتدأها علي بالحق وانتهى فيها إلى العذر وبدأها معاوية بالبغي وانتهى فيها إلى السرف وليس أهل العراق فيها كاهل الشام، بايع أهل العراق عليا وهو خير منهم وبايع معاوية أهل الشام وهم خير منه وليس انا وأنت فيها بسواء أردت الله وأردت أنت مصر وقد عرفت الشئ الذي بادعك مني واعرف الشئ الذي قربك من معاوية فان ترد شرا لا نسبقك به وان ترد خيرا لا تسبقنا إليه ثم دعا الفضل بن العباس فقال له يا ابن أم أجب عمرا فقال الفضل:
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس * فاذهب فليس لداء الجهل من آسي الأبيات المذكورة في ترجمته ثم عرض الشعر والكتاب على علي ع فقال: لا أراه يجيبك بشئ بعدها ابدا إن كان يعقل ولعله يعود فتعود إليه فلما انتهى الكتاب إلى عمرو اتى به معاوية فقال: أنت دعوتني إلى هذا ما كان أغناني وإياك عن بني عبد المطلب فقال: ان قلب ابن العباس وقلب علي قلب واحد وكلاهما ولدا عبد المطلب وإن كان قد خشن فقد لان وإن كان قد تعظم وعظم صاحبه فلقد قارب وجنح إلى السلم وكان معاوية يكاتب ابن عباس فيجيبه بقول لين وذلك قبل ان تعظم الحرب فلما قتل أهل الشام قال معاوية: ان ابن عباس رجل قريش وانا كاتب إليه في عدواة بني هاشم لنا وأخوفه عواقب هذه الحرب لعله يكف عنا فكتب إليه: إما بعد فإنكم معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع بالمادة منكم إلى أنصار عثمان حتى انكم قتلتم طلحة والزبير لمطلبهما دمه فان يكن ذلك لسلطان بني أمية فقد وليها عدي وتيم أظهرتم لهم الطاعة وقد وقع من الامر ما قد ترى وأكلت هذه الحروب بعضها من بعض حتى استوينا فقيها فما أطمعكم فينا أطمعنا فيكم وما آيسكم منا آيسنا منكم وقد رجونا غير الذي كان وخشينا دون ما وقع ولستم بملاقينا اليوم بأحد من حد أمس ولا غدا بأحد من حد اليوم وقد قنعنا بما كان في أيدينا من ملك الشام فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق وابقوا على قريش فإنما بقي من رحلها سنة: رجلان بالشام انا وعمرو ورجلان بالعراق أنت وعلي ورجلان بالحجاز سعد وابن عمر واثنان من الستة ناصبان لكم واثنان واقفان وأنت رأس هذا الجمع اليوم ولو بايع الناس لك بعد عثمان كنا إليك أسرع منا إلى علي في كلام كثير فلما انتهى الكتاب إلى ابن العباس اسخطه ثم قال حتى متى يخطب إلي عقلي وحتى متى أجمجم على ما في نفسي فكتب إليه:
إما ما ذكرت من سرعتنا بالمساءة في أنصار ابن عفان وكراهيتنا لسلطان بني أمية فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره حتى صرت إلى ما صرت إليه وبيني وبينك في ذلك ابن عمك وأخو عثمان الوليد ابن عقبة واما طلحة والزبير فنقضا البيعة وطلبا الملك فقاتلناهما على النكث وقاتلناك على البغي واما قولك انه لم يبق من رجال قريش غير ستة فما أكثر رجالها وأحسن بقيتها قد قاتلك من خيارها من قاتلك ولم يخذلنا الا من خذلك وما إغراؤك إيانا بعدي وتيم فأبو بكر وعمر خير من عثمان كما أن عثمان خير منك وقد بقي لك منا يوم ينسيك ما قبله ويخاف ما بعده واما قولك انه لو بايع الناس لي لاستقامت لي فقد بايع الناس عليا وهو خير مني فلم يستقيموا له وما أنت يا معاوية والخلافة وأنت طليق وابن طليق فلما انتهى الكتاب إلى معاوية قال: هذا عملي بنفسي لا والله لا اكتب إليه كتابا سنة. واختاره علي ع للحكومة يوم صفين فقال: هذا ابن عباس اوليه ذلك وفي رواية عليكم بعبد الله بن عباس فارموا به عمرا فان عمرا لا يعقد عقدة الا حلها عبد الله ولا يحل عقدة الا عقدها ولا يبرم أمرا الا نقضه ولا ينقض أمرا إلا أبرمه فابى الأشعث والقراء ذلك وقالوا: والله ما نبالي ان كنت أنت أو ابن عباس.