المؤلف هنا موضع قول أبي تمام:
فعلتم بأبناء النبي ورهطه * أفاعيل أدناها الخيانة والغدر وقول الشريف الرضي:
ليس هذا لرسول الله يا * أمة الطغيان والبغي جزا وتسليط الحائك عبد الأنصار على آل رسول الله ص يحبسهم ويتهددهم بغير ذنب أقل بقليل مما فعل معهم من الفظائع. قال أبو الفرج:
فتضاحك حسين في وجه العمري وقال أنت مغضب يا أبا حفص، فقال له العمري أتتهزؤني وتخاطبني بكنيتي، فقال لقد كان أبو بكر وعمر وهما خير منك يخاطبان بالكني فلا ينكران ذلك وأنت تكره الكنية وتريد المخاطبة بالولاية. فقال له: آخر قولك شر من أوله، فقال معاذ الله يأبى الله لي ذلك ومن انا منه فقال له: أفإنما أدخلتك إلي لتفاخرني وتؤدبني، فغضب يحيى فقال له فما تريد منا؟ قال أريد ان تأتياني بحسن بن محمد، فقالا لا نقدر عليه، هو في بعض ما يكون فيه الناس، فابعث إلى آل الخطاب فاجمعهم كما جمعتنا ثم أعرضهم رجلا رجلا فان لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة حسن عنك قد أنصفتنا. فحلف على الحسين بطلاق امرأته وحرية مماليكه أنه لا يخلي عنه أو يجيئه به في باقي يومه وليلته وانه ان لم يجئ به ليركبن إلى سويقة وهي موضع قرب المدينة فيه مساكن ونخيل للحسنيين فيخربها أو يحرقها وليضربن الحسين ألف سوط، وحلف بهذه اليمين ان عينه ان وقعت على الحسن بن محمد ليقتله من ساعته.
قال المؤلف بمثل هذه السياسات الخرقاء كانت تدار بلاد الاسلام يولى على أشراف الناس من في قلبه الضغائن عليهم حتى يحرجهم ويضطرهم إلى فعل ما لا يمكن أن يفعلوه أو الخروج عليه فتراق الدماء وتنتهك حرمات الله وتنهب الأموال ويجري أفظع الظلم والفساد، كيف يمكن أن يجئ حسين ويحيى بابن عمهما إلى العمري فيقتله، أو لا يجيئان به فيخرب ملكهما الذي به معاشهما ويضرب الحسين ألف سوط، وهل بعد هذا مخرج الا الخروج عليه وما هو الذنب الذي استوجبوا به هذا؟ فوثب يحيى مغضبا فقال له أنا أعطي الله عهدا وكل مملوك لي حر ان ذقت الليلة نوما حتى آتيك بحسن بن محمد، أو لا أجده فاضرب عليك بابك حتى تعلم أني قد جئتك. وخرجا من عنده مغضبين وهو مغضب، فقال حسين ليحيى: بئس لعمر الله ما صنعت حين تحلف لتأتينه به وأين تجد حسنا؟
فقال لم أرد ان آتيه بحسن لا والله بل أردت أن دخل عيني نوم حتى أضرب عليه بابه ومعي السيف اقتله به ان قدرت عليه فقال حسين هذا ينقض علينا ما كان بيننا وبين أصحابنا من الميعاد وكانوا تواعدوا ان يظهروا بالموسم فقال يحيى قد كان ذلك وانما بيننا وبين ذلك عشرة أيام حتى نسير إلى مكة فوجه الحسين إلى حسن بن محمد فقال يا ابن عم قد بلغك ما كان بيني وبين هذا الفاسق فامض حيث أحببت فقال الحسن لا والله يا ابن عم بل أجئ معك الساعة حتى أضع يدي في يده فقال له الحسين ما كان الله ليطلع علي وأنا جاء إلى محمد ص وهو خصيمي وحجيجي في أمرك ولكني أفديك بنفسي لعل الله أن يقي نفسي من النار وعملا في الخروج من ليلتهم ووجه الحسين فجاءه يحيى وسليمان وإدريس بنو عبد الله بن حسن بن عبد الله بن حسن وعبد الله بن حسن الأفطس وإبراهيم بن إسماعيل طباطبا وعمر بن الحسن بن علي بن حسن بن حسن وعبد الله بن إسحاق بن إبراهيم بن حسن بن حسن بن علي وعبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ووجهوا إلى فتيان من فتيانهم ومواليهم فاجتمعوا ستة وعشرين رجلا من ولد علي ع وعشرة من الحاج ونفر من الموالي وجاء يحيى فضرب على العمري باب داره فلم يجده وجاءوا فاقتحموا المسجد وقت الصبح ثم نادوا: أحد، أحد. وصعد عبد الله بن حسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي ص عند موضع الجنائز فقال للمؤذن أذن بحي على خير العمل فلما نظر إلى السيف بيده أذن بها وسمعه العمري فأحس بالشر ودهش وصاح أعلقوا البغلة بالباب وأطعموني حبتي ماء فولده الآن بالمدينة يعرفون ببني حبتي ماء ثم مضى هاربا على وجه يسعى ويخرج منه الريح هذه رواية المقاتل وتدل رواية ابن الأثير الآتية ان العمري بقي إلى ما بعد ذلك فصلى بالناس الصبح فلما فرع من الصلاة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس انا ابن رسول الله على منبر رسول الله وفي حرم مسجد رسول الله أدعوكم إلى سنة رسول الله ص وفي رواية أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله استنقاذا مما تعملون أيها الناس أتطلبون آثار رسول الله في الحجر والعود تتمسحون بذلك وتضيعون بضعة منه فقام الناس فبايعوه. وروى أبو الفرج في المقاتل بسنده أنه لما كانت بيعة الحسين بن علي صاحب فخ قال أبايعكم على كتاب الله وسنة رسول الله ص وعلى ان يطاع الله ولا يعصي وأدعوكم إلى الرضا من آل محمد وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه ص والعدل في الرعية والقسم بالسوية وعلى ان تقيموا معنا وتجاهدوا عدونا فان نحن وفينا لكم وفيتم لنا وان نحن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم. قال أبو الفرج ودعا بالشهود العدول الذين كان العمري أشهدهم عليه بان يأتي بالحسن إليه وقال للشهود هذا الحسن قد جئت به فهاتوا العمري والا والله أخرجت من يميني ولم يتخلف عنه أحد من الطالبيين الا الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن فإنه استعفاه فلم يكرهه وموسى بن جعفر بن محمد ع. قال وجاء حماد البريدي (1) وكان مسلحة للسلطان بالمدينة ومعه أصحابه في السلاح حتى وافوا باب المسجد الذي يقال له باب جبرئيل فقام إليه يحيى فضربه بالسيف على جبينه وعليه البيضة والمغفرة والقلنسوة فقطع ذلك كله وأطار مخ رأسه وحمل على أصحابه فانهزموا ويدل كلام ابن الأثير ان يحيى وإدريس معا قتلا البريدي فإنه قال: وجاء خالد البريدي في مائتين من الجند وجاء العمري ومعهم ناس كثير فدنا خالد منهم فقام إليه يحيى وإدريس ابنا عبد الله بن الحسن فضربه يحيى على أنفه فقطعه ودار إدريس من خلفه فضربه فصرعه ثم قتلاه فانهزم أصحابه ودخل العمري في المسودة فحمل عليهم أصحاب الحسين فهزموهم من المسجد وانتهبوا بيت المال وفيه بضعة عشر ألف دينار وقيل سبعون ألفا وتفرق الناس وأغلق أهل المدينة أبوابهم فلما كان الغد اجتمع عليهم شيعة بني العباس فقاتلوهم وفشت الجراحات في الفريقين واقتتلوا إلى الظهر وكان مبارك التركي قد حج في تلك السنة فبدأ بالمدينة فبلغه خبر حسين وقد اختلف قول المؤرخين في أمره فقيل أنه أتى شيعة بني العباس فقاتل معهم فاقتتلوا أشد قتال إلى منتصف النهار ثم تفرقوا ورجع أصحاب الحسين إلى المسجد وواعد مبارك الناس في الرواح إلى القتال فلما غفلوا عنه ركب رواحله وانطلق وراح الناس فلم يجدوه فقاتلوا شيئا من قتال إلى المغرب ثم تفرقوا وقيل إن مباركا لم يقاتل الحسين بل ارسل إلى الحسين من الليل اني والله ما أحب ان تبتلي بي ولا ابتلي بك والله لأن أسقط من السماء