صفين جعل علي ع يأمر هذا الرجل الشريف فيخرج معه جماعة فيقاتل ويخرج إليه من أصحاب معاوية رجل معه جمع فيقتتلان ويكرهون أن يتزاحفوا بجميع الفيلق مخافة الاستئصال فكان علي ع يخرج فيمن يخرج خالد بن المعمر السدوسي ولكن سيأتي انه كان له باطن سوء مع معاوية وانه انهزم في بعض أيام صفين ليكسر الميسرة على علي ع وان معاوية وعده بامرة خراسان ووفي له حين بايعه الناس فمات قبل ان يصل إليها.
روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان أمير المؤمنين ع لما أراد المسير إلى صفين كتب إلى ابن عباس وهو عامله بالبصرة ان يستنهض الناس للمسير معه فجمعهم ابن عباس وخطبهم وذكرهم فضل أمير المؤمنين ع وحثهم على الخروج معه فقام فيمن قام خالد بن المعمر السدوسي فقال سمعنا وأطعنا فمتى استنفرتنا نفرنا ومتى دعوتنا أجبنا فكان خالد على بكر بن وائل لكن في الكتاب المذكور في موضع آخر أن ناسا أتوا عليا ع فقالوا انا لا نرى خالد بن المعمر السدوسي الا قد كاتب معاوية وقد خشينا ان يبايعه فبعث إليه وإلى رجال من أشرافهم وقال يا معشر ربيعة أنتم أنصاري ومجيبو دعوتي ومن أوثق حي في العرب في نفسي وقد بلغني ان معاوية كاتب صاحبكم خالد بن المعمر ثم قال يا خالد ان كان ما بلغني عنكم حقا فاني أشهد ومن حضرني من المسلمين انك آمن حتى تلحق بالعراق أو بالحجاز أو أرض لا سلطان لمعاوية فيها وإن كنت مكذوبا عليك فابر صدورنا بايمان نطمئن إليها فحلف له بالله ما فعل وقال رجال من ربيعة كثير والله لو نعلم أنه فعل لقتلناه وقال له زياد بن خصفة استوثق منه بالايمان فاستوثق منه اه. هذا مع كونه من ربيعة المعروفة بولائه ع ولكن ابن أبي الحديد يقول في شرح نهج البلاغة: لا ريب عند علماء السيرة ان خالد بن المعمر كان له باطن سوء مع معاوية وانه انهزم يوم صفين ليكسر الميسرة على علي ذكر ذلك الكلبي والواقدي وغيرهما قال نصر ان ميمنة أهل الشام حملوا على ميسرة أهل العراق وهم ربيعة فثبتت لهم وصبروا صبرا حسنا إلا قليلا من الضعفاء فلما رأى خالد بن المعمر أناسا قد انهزموا من قومه انصرف فلما رأى أصحاب الرايات قد ثبتوا وقومه صبروا رجع وصاح بمن انهزم وأمرهم بالرجوع فقال من أراد أن يتهمه أراد الانصراف فلما رآنا قد ثبتنا رجع إلينا وقال لهم لما رأيت رجالا منا قد انهزموا رأت أن استقبلهم ثم أردهم إليكم فأقبلت إليكم بمن أطاعني منهم فجاء بأمر مشتبه اه. قال ابن أبي الحديد ويدل على باطنه هذا انه لما استظهرت ربيعة على صفوف أهل الشام اليوم الثاني من هذا اليوم ارسل معاوية إلى خالد بن المعمر ان كف عني ولك إمارة خراسان ما بقيت فكف عنه ورجع بربيعة وقد شارفوا اخذه من مضربه اه. ولكن المتأمل في مجاري أحواله وفي محاورته مع معاوية الآتية يتبين له انه كان من شيعة أمير المؤمنين ع العارفين بحقه وان صح انه صدر منه شئ يدل على أنه كان له باطن سوء مع معاوية يكن ذلك ذنبا أتقترفه ميلا مع الدنيا كما يقع من عصاة الشيعة ومحاورته الآتية مع معاوية تدل على أن معاوية كان يعلم منه حب علي ع وسيأتي عند نقل كلام ابن عساكر ما يدل على تشيعه وقال نصر كانت راية ربيعة كلها كوفيتها وبصريتها مع خالد بن المعمر السدوسي من ربيعة البصرة أعطاه إياها علي بن أبي طالب. وروى نصر ان خالد ابن معمر قام يحرض ربيعة على الحرب فقال في بعض كلام انكم ان تنكلوا عن عدوكم وتحولوا عن مصافكم لا يرض الرب فعلكم ولا تعدموا معيرا يقول فضحت ربيعة الذمار وان تمضوا مقدمين وتصبروا محتسبين فان الأقدام منكم عادة والصبر منكم سجية فاصبروا ونيتكم صادقة تؤجروا فان ثواب من نوى ما عند الله شرف الدنيا وكرامة الآخرة ولا يضيع الله أجر من أحسن عملا فقام إليه رجل من ربيعة فقال ضاع والله أمر ربيعة حين جعلت أمرها إليك تأمرنا أن لا نحول ولا نزول حتى نقتل أنفسنا أترى إلى الناس قد انصرف جلهم فقام إليه رجال من قومه فتناولوه بأفواههم ولكزوه بأيديهم فقال لهم خالد أخرجوا هذا من بينكم هذا الذي لا ينقص العدد ولا يملأ البلد وكان معاوية نذر في سبي نساء ربيعة وقتل المقاتلة فقال في ذلك خالد بن المعمر ومر البيت الأول في أبيات لخالد بن ربيعة:
تمنى ابن حرب نذرة في نسائنا * ودون الذي ينوي سيوف قواضب ونمنح ملكا أنت حاولت خلعه * بني هاشم قول امرئ غير كاذب وقال أيضا:
وفتنة مثل ظهر الليل مظلمة * لا يستبين لها أنف ولا ذنب فرجتها بكتاب الله فانفرجت * وقد تحير فيها سادة عرب وروى نصر أنه لما كان اليوم العاشر من أيام الحرب بصفين قام خالد بن المعمر فنادى من يبايع على الموت ويشري نفسه لله فبايعه آلاف على أن لا ينظر رجل منهم خلفه حتى يرد سرادق معاوية فاقتتلوا قتالا شديدا وقد كسروا جفون سيوفهم فلما نظر إليهم معاوية قد أقبلوا قال:
إذا قلت قد ولت ربيعة أقبلت * كتائب منهم كالجبال تجالد ثم قال معاوية لعمرو وما ترى قال أرى أن لا تحنث أخوالي اليوم فخلى معاوية عنهم وعن سرادقه وخرج فارا عنه إلى بعض مضارب العسكر فدخل وبعث معاوية إلى خالد بن المعمر أنك قد ظفرت ولك إمرة خراسان أن لم تتم فطمع خالد في ذلك ولم يتم فأمره معاوية حين بايعه الناس على خراسان فمات قبل أن يصل إليها وإذا صح أنه كان باطنا مع معاوية يكون قد خسر الدنيا والآخرة. وفي الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي سال معاوية خالد بن معمر فقال على ما أحببت عليا قال على ثلاث خصال على حلمه إذا غضب وعلى صدقه إذا قال وعلى عدله إذا حكم. وروى نصر في كتاب صفين أنه لما رفعت المصاحف تكلم أصحاب علي ع فبعضهم رأى الحرب وبعضهم رأى الكف وكان من جملة من تكلم شقيق بن ثور البكري فأشار بالموادعة وكردوس بن هانئ البكري فأشار بمتابعة رأي علي ع وهو القتال وحريث بن جابر البكري فأشار بالحرب وحضين بن المنذر الرقاشي فدعا إلى متابعة على ع في رأيه ومنهم خالد بن المعمر فإنه قام فقال يا أمير المؤمنين أنا والله ما اخترنا هذا المقام أن يكون أحد هو أولى به منا غير انا جعلناه ذخرا وقلنا أحب الأمور إلينا ما كفينا مؤونته فاما إذ سبقنا في المقام فانا لا نرى الا فيما دعاك إليه القوم إن رأيت ذلك فان لم تره فرأيك أفضل اه. وهذا الكلام يشير من طرف خفي إلى ما تنطوي عليه نفسه قال نصر فبلغ معاوية كلام الربعيين فبعث إلى مصقلة بن هبيرة ما لقيت من أحد ما لقيت من ربيعة قال ما هم منك بأبعد من غيرهم وانا باعث إليهم فيما صنعوا فبعث إليهم بأبيات يصوب فيها رأي من أشار بترك القتال ويخطئ من أشار بالقتال فاجابه جماعة على شعره منهم خالد بن المعمر فقال: