قتلت أحد الثلاثة فأنت حر محمدا أو علي بن أبي طالب أو حمزة بن عبد المطلب فاني لا أرى في القوم كفوا لأبي غيرهم فقال اما محمد فقد علمت اني لا أقدر عليه وان أصحابه لن يسلموه واما حمزة فوالله لو وجدته نائما ما أيقظته من هيبته واما علي فالتمسه قال وحشي فكنت يوم أحد التمسه فبينا انا في طلبه طلع علي فطلع رجل حذر مرس كثير الالتفات فقلت ما هذا بصاحبي الذي التمس إذ رأيت حمزة يفري الناس فريا فكمنت له إلى صخرة فاعترض له سباع بن أم أنمار وكانت أمه ختانة بمكة مولاة لشريق بن علاج بن عمرو بن وهب الثقفي وكان سباع يكنى أبا نيار فقال له حمزة وأنت أيضا يا ابن مقطعة البظور ممن يكثر علينا هلم إلي فاحتمله حتى إذا برقت قدماه رمى به فبرك عليه وشحطه شحط الشاة ثم اقبل علي مكبا حين رآني فلما بلغ المسيل وطئ على جرف فزلت قدمه فهززت حربتي حتى رضيت منها فاضرب بها في خاصرته حتى خرجت من مثانته وكر عليه طائفة من أصحابه فأسمعهم يقولون أبا عمارة فلا يجيب فقلت قد والله مات الرجل وذكرت هندا وما لقيت على أبيها وأخيها وانكشف عنه أصحابه حين أيقنوا بموته ولا يروني فأكر عليه فشققت بطنه واستخرجت كبده فجئت بها إلى هند بنت عتبة فقالت ماذا لي ان قتلت قاتل أبيك قالت سلبي فقلت هذه كبد حمزة فمضغتها ثم لفظتها فنزعت ثيابها وحليها فأعطيتنيه ثم قالت إذا جئت مكة فلك عشرة دنانير ثم قال أرني مصرعه فاريتها مصرعه فقطعت مذاكيره وجدعت أنفه وقطعت أذنيه ثم جعلت ذلك مسكتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة وقدمت بكبده أيضا معها ثم ذكر رواية أخرى عن الواقدين بسنده عن عبيد الله بن عدي بن الخيار انه مر مع جماعة بحمص عصرا فسألوا عن وحشي فقيل لا تقدرون عليه هو الآن يشرب الخمر حتى يصبح فلما كان الصبح سألوه عن قتل حمزة فقال كنت عبدا لجبير بن مطعم بن عدي فلما خرج الناس إلى أحد دعاني فقال قد رأيت مقتل طعيمة بن عدي قتله حمزة بن عبد المطلب يوم بدر فلم تزل نساؤنا في حزن شديد إلى يومي هذا فان قتلت حمزة فأنت حر فخرجت مع الناس ولي مزاريق وكنت امر بهند بنت عتبة فتقول اية أبا دسمة اشف وأشنف فلما وردنا أحدا نظرت إلى حمزة يقدم الناس يهذهم هذا قرآني وقد كمنت له تحت شجرة فاقبل نحوي وتعرض له سباع الخزاعي فقال وأنت أيضا يا ابن مقطعة البظور ممن يكثر علينا هلم إلي واقبل نحوه حتى رأيت برقان رجليه ثم ضرب به الأرض وقتله واقبل نحوي سريعا ويعترض له جرف فيقع فيه وأزرقه بمزراق فيقع في لبته حتى خرج من بين رجليه فقتله ومررت بهند بنت عتبة فأذنتها فأعطتني ثيابها وحليها وكان في ساقيها خدمتان من جزع ظفار ومسكنان من ورق وخواتيم من ورق كن في أصابع رجليها فأعطتني كل ذلك.
قال ابن الأثير قال وحشي اني والله لأنظر إلى حمزة وهو يهذ الناس بسيفه ما يلقى شيئا يمر به الا قتله فهززت حربتي ودفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه واقبل نحوي فغلب فوقع فأمهلته حتى مات فأخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر قال ووقعت هند وصواحباتها على القتلى يمثلن بهم واتخذت هند من آذان الرجال وآنافهم خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وحشيا وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع ان تسيغها فلفظتها.
ووجد حمزة ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فحين رآه الرسول ص بكى، ثم قال: لن أصاب بمثلك، ما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا الموقف. وكان من رثائه له قوله: يا عم رسول الله وأسد الله وأسد رسول الله، يا حمزة يا فاعل الخيرات يا حمزة يا كاشف الكربات يا حمزة يا ذاب يا مانع عن وجه رسول الله. قال لولا أن تحزن صفية أو تكون سنة بعدي لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير ولئن أظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين رجلا منهم فأنزل الله في ذلك فان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين فعفا رسول الله ص وصبر ونهى عن المثلة.
وأقبلت صفية بنت عبد المطلب فقال رسول الله ص لابنها الزبير لتردها لئلا ترى ما بأخيها حمزة فلقيها الزبير فاعلمها بأمر النبي ص فقالت إنه بلغني انه مثل بأخي وذلك في الله قليل فما أرضانا بما كان من ذ لك لأحتسبن ولأصبرن فاعلم الزبير النبي ص بذلك فقال خل سبيلها فاتته وصلت عليه واسترجعت وكانت أخته لامه وأبيه وامر به رسول الله ص فدفن.
وصلى رسول الله على القتلى فكان كلما اتي بشهيد جعل حمزة معه وصلى عليهما وجلس على حفرته ولما رجع رسول الله ص إلى المدينة مر بدار من دور الأنصار فسمع البكاء والنوائح فذرقت عيناه بالبكاء وقال حمزة لا بواكي له فرجع سعد بن معاذ إلى دار بني عبد الأشهل فامر نساءهم ان يذهبن فيبكين على حمزة اه. قال الواقدي فيما حكاه ابن أبي الحديد فقال رسول الله ص رضي الله عنكن وعن أولادكن قالت أم سعد بن معاذ فما بكت منا امرأة قط الا بدأت بحمزة إلى يومنا هذا وفي الاستيعاب ذكر الواقدي قال لم تبك امرأة من الأنصار على ميت بعد قول رسول الله ص هذا الا بدأت بالبكاء على حمزة ثم بكت ميتها وروى ابن سعد في الطبقات ان فاطمة ع كانت تأتي قبر حمزة ترممه وتصلحه.
ما رواه من الدعاء في الإصابة عن الغيلانيات بسنده عن حمزة بن عبد المطلب عن النبي ص قال الزموا هذا الدعاء اللهم إني أسألك باسمك الأعظم ورضوانك الأكبر الحديث ولم يتيسر لنا العثور على باقيه.
ما نسب إلى حمزة من الشعر من ذلك إليه صاحب البحار:
لقد عجبت لأقوام ذوي سفه * من القبيلين من سهم ومخزوم القائلين لما جاء النبي به * هذا حديث اتانا غير ملزوم فقد اتاهم بحق غير ذي عوج * ومنزل من كتاب الله معلوم من العزيز الذي لا شئ يعدله * فيه مصاديق من حق وتعظيم فان تكونوا له ضدا يكن لكم * ضدا بغلباء مثل الليل علكوم فامنوا بنبي لا أبا لكم * ذي خاتم صاغه الرحمن مختوم ومن الشعر الذي نسبه ابن إسحاق إلى حمزة قوله لما بعثه رسول الله ص إلى سيف البحر يعترض عير قريش وهو أول لواء عقد في الاسلام كما مر: