يكن الحضين ليسير في ولايته الا بما سنه له إمامه ومقتداه أمير المؤمنين في المحافظة على بيت مال المسلمين وعدم انفاقه على الشعراء والمداحين كما كان يفعله بعض الولاة وروى الطبري في ذيل المذيل بسنده ذكروا الحضين بن المنذر عند الأحنف فقالوا ساد وما بقلت لحيته فقال الأحنف السؤدد مع السواد قبل ان يشيب الرجل قال وكان حضين بن المنذر يوم صفين صاحب لواء ربيعة وإياه عنى علي ع بقوله:
لمن راية سوداء يخفق ظلها * إذا قيل قدمها حضين تقدما وفي مروج الذهب: كان على راية هذيل بن سنان وغيرها من ربيعة الحضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الذهلي وفيه يقول علي وذكر البيت وبالجملة كان الحضين بن المنذر من أخلص الناس في ولاء أمير المؤمنين ن ع حضر معه بصفين وهو غلام شاب ويظن ان عمره يومئذ كان 34 سنة كما مر ولما اختلفت رؤساء ربيعة على الراية يوم صفين اصطلحوا على أن يعطوها الحضين مع أنه أصغرهم سنا ولولا وفور عقله وشجاعته ومكانته في العشيرة لما رضوا ان يتركوا الشيوخ والكهول ويولوها شابا حدث السن ودل على ذلك أنه لما قال له أمير المؤمنين ع يا فتى أ لا تدني رايتك هذه ذراعا فقال له غير متلكئ ولا هياب نعم والله وعشرة أذرع، والى أين يدنيها؟! يدنيها إلى الموت. وحسب الحضين فخرا وشرفا مدح أمير المؤمنين ع له بشعر يتلى مر الدهور ويحكم العلماء بصحة نسبته وذلك لما رآه يزحف بالراية فأعجبه زحفه. وموقفه مع أخي قتيبة بن مسلم الباهلي يوم فتح سمرقند كما يأتي أوضح دليل على سمو مكانه ورجاحة عقله وفصاحة لسانه وبراعة بيانه وقوة حجته وبرهانه وكفى في رجاحة عقله ان يكون عدوه قتيبة بن مسلم يعظمه ويستشيره في أمور وهو أمير.
أولاده في خزانة الأدب عن العسكري: من أولاده يحيى بن حضين وساسان ابن حضين وعياض بن حضين وفي يحيى يقول الفرزدق:
واصرف الكاس عن الفاتر يحيى بن حضين اخباره في تاريخ الطبري: كتب الحجاج إلى عبد الملك يذم يزيد بن الملهب إلى أن أذن له في عزله فكره الحجاج ان يكتب إليه بالعزل فكتب إليه ان استخلف المفضل وأقبل فاستشار يزيد حضين بن المنذر فقال له أقم واعتل فان عبد الملك حسن الرأي فيك وانما اتيت من الحجاج فلم يقبل وسار إليه وولى الحجاج مكانه قتيبة بن مسلم فقال حضين ليزيد:
أمرتك أمرا حازما فعصيتني * فأصبحت مسلوب الامارة نادما فما انا بالباكي عليك صبابة * وما انا بالداعي لترجع سالما فلما قدم قتيبة خراسان قال لحضين كيف قلت ليزيد قال قلت:
أمرتك أمرا حازما فعصيتني * فنفسك أولى اللوم ان كنت لائما فان يبلغ الحجاج ان قد عصيته * فإنك تلقى أمره متفاقما قال فما ذا امرته به فعصاك قال امرته ان لا يدع صفراء ولا بيضاء الا حملها إلى الأمير فقال رجل لعياض بن حضين اما أبوك فوجده قتيبة حين فره (1) قارحا بقوله امرته ان لا يدع صفراء ولا بيضاء الا حملها إلى الأمير.
وذكر ابن الأثير وغيره انه لما ارسل معاوية عبد الله بن عامر الحضرمي إلى البصرة ليوقع الفتنة وكان زياد أميرا عليها، استخلفه ابن عباس، بعث زياد إلى الحضين بن المنذر ومالك بن مسمع فدعاهما وقال أنتم أنصار أمير المؤمنين وشيعته وثقته فأجيروني حتى يأتيني امر أمير المؤمنين، فاما مالك فقال ارجع إلى من ورائي واستشير وكان رأيه مائلا إلى بني أمية واما الحضين بن المنذر فقال نعم نحن فاعلون ولن نخذلك ولن نسلمك.
اخباره بصفين شهد الحضين صفين مع علي ع وكانت إليه راية بكر البصرة وتدل بعض الروايات على أن أمير المؤمنين ع امره عليهم من أول الأمر وبعضها على أنه أعطاه إياها لما حصل التنافس عليها ثم اتفق عليه المتنافسون قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين ان عليا ع لما عقد الألوية وأمر الأمراء وكتب الكتاب بصفين جعل على بكر البصرة حضين بن المنذر وروى نصر أيضا بسنده عن الحضين قال أعطاني علي الراية يوم صفين ثم قال سر على اسم الله يا حضين واعلم أنه لا يخفق على رأسك راية أبدا مثلها انها راية رسول الله ص وروى نصر أيضا عن عمر بن سعد حدثني الصلت بن يزيد بن أبي الصلت التميمي سمعت أشياخ الحي من بني تميم بن ثعلبة يقولون كانت راية ربيعة كلها كوفيتها وبصريتها يوم صفين مع خالد بن المعمر السدوسي من ربيعة البصرة ثم نافسه في الراية شفيق بن ثور السدوسي من بكر بن وائل من أهل الكوفة فاصطلحا على أن يوليا الراية الحضين بن المنذر الرقاشي من أهل البصرة وقالا هذا فتى له حسب ونجعلها له حتى نرى رأينا وكان الحضين بن المنذر وهو يومئذ غلام يزحف براية ربيعة قال السدي وكانت حمراء فأعجب عليا زحفه وثباته فقال:
لمن راية حمراء يخفق ظلها * إذا قيل قدمها حضين تقدما ويدنو بها في الصف حتى يزيرها * حياض المنايا تقطر الموت والدما تراه إذا ما كان يوم عظيمة * أبى فيه الا عزة وتكرما جزى الله قوما صابروا في لقائهم * لدى الباس خيرا ما أعف وأكرما وأحزم صبرا حين يدعى إلى الوغى * إذا كان أصوات الكماة تغمغما ربيعة أعني انهم أهل نجدة * وبأس إذا لاقوا خميسا عرمرما وأورد ابن عساكر البيت الأول: لمن راية سوداء الخ وكذلك الطبري في ذيل المذيل والمسعودي في مروج الذهب والثاني: فيوردها في الصف حتى يقيلها والثالث:
جزى الله قوما قاتلوا في لقائهم * لدى الموت قدما ما أعز وأكرما والرابع: وأطيب اخبارا وأكرم شيمة قال ابن أبي الحديد ان سائر الرواة غير نصر رووا له ع هذه الأبيات الستة فقط ولكن نصرا زاد روايته عليها أبياتا وسائر الرواة يروون هذه الزيادة للحضين:
وقد صبرت عك ولخم وحمير * لمذحج حتى لم يفارق دم دما ونادت جذام يا لمذحج ويلكم * جزى الله شرا أينا كان أظلما أما تتقون الله في حرماتكم * وما قرب الرحمن منها وعظما أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا * بأسيافنا حتى تولى وأحجما وحتى ينادي زبرقان بن أظلم * ونادى كلاعا والكريب وأنعما وعمرا وسفيانا وجهما ومالكا * وحوشب والغاوي شريحا وأظلما