الطغرائي، الثورة يخيم عليها هدوء نفسي قلما تأنسه في شاعر غيره.
وعندي ان هذه الصفة لم تتجل في شعر الطغرائي بقدر ما تجلت في لاميته. وتأثر الغربيون بعناية العرب باللامية فعنوا بها وترجموها أكثر من مرة وفي أكثر من لغة وبلاد. وأول ما ترجمت إلى اللاتينية عام 1629 وعنها ترجمت إلى الفرنسية عام 1660 ويقول عنها كرنكو: لعلها أقدم نص من الشعر العربي كان في متناول دائرة واسعة من أوروبا. وفي الرياض لامية العجم قصيدة طويلة تنيف على ستين بيتا وقد أودعها كل غريبة اه، وقد أوردها ياقوت في معجم الأدباء بتمامها اعجابا بها وكذلك ابن خلكان أوردها بتمامها. ولشهرتها تركناها.
مختارات من شعره في أمل الآمل من شعره قوله:
إذا ما لم تكن ملكا مطاعا * فكن عبدا لخالقه مطيعا وان لم تملك الدنيا جميعا * كما تهواه فاتركها جميعا هما نهجان من نسك وفتك * يحلان الفتى الشرف الرفيعا وقوله:
يا قلب ما لك والهوى من بعد ما * طاب السلو وأقصر العشاق أو ما بدا لك في الإفاقة والأولى * نازعتهم كأس الغرام أفاقوا مرض النسيم وصح والداء الذي * أشكوه لا يرجى له إفراق وهدا خفوق النجم والقلب الذي * ضمت عليه جوانحي خفاق وفي خريدة القصر للعماد الكاتب انه كتب إليه الدهخدا أبو شجاع ابن أبي الوفاء وكان من معاصريه بأصفهان وهو تائب من شرب الخمر يستهديه شرابا:
يا من سما بجلاله * فخرا على كل الأنام وغدت مكارم كفه * تغني العفاة عن الغمام ان كنت قد نزهت * نفسك عن مساورة المدام فأسير جودك نحو ما * نزهت نفسك عنه ظام فامنن عليه بالشراب * وعش سعيدا ألف عام فالعمر يركض كالسحاب * وكل عيش كالمنام وأجل ما ادخر الفتى * شكر يبوح على الدوام فاجابه الأستاذ الطغرائي بقوله:
من تاب من شرب المدام * ومن مقارفة الحرام وسمت به النفس العزوب * عن التورط في الآثام فاستحي ان تلقاه * منتجعا لأهداء المدام وابني أحق بما سالت * لديه من بلل الأوام فاستسقه فلديه ما * يغنيك عن سقي الغمام واسرق من الأيام حظك * من حلال أو حرام فالدهر ليس ينام عنك * وأنت عنه في منام ومن شعره قوله:
جامل عدوك ما استطعت فإنه * بالرفق يطمع في صلاح الفاسد واحذر حسودك ما استطعت فإنه * ان نمت عنه فليس عنك براقد ان الحسود وان أراد توددا * منه أضر من العدو الحاقد ولربما رضي العدو إذا رأى * منك الجميل فصار غير معاند ورضا الحسود زوال نعمتك التي * أوتيتها من طارف أو تالد فاصبر على غيظ الحسود فناره * ترمي حشاه بالعذاب الخالد أوما رأيت النار تأكل نفسها * حتى تعود إلى الرماد الهامد تضفو على المحسود نعمة ربه * ويذوب من كمد فؤاد الحاسد وقوله في مدح العلم قوله:
من قاس بالعلم الثراء فإنه * في حكمه أعمى البصيرة كاذب العلم تخدمه بنفسك دائما * والمال يخدم عنك فيه نائب والمال يسلب أو يبيد لحارث * والعلم لا يخشى عليه سالب والعلم نقش في فؤادك راسخ * والمال ظل عن فنائك ذاهب هذا على الإنفاق يغزر فيضه * ابدا وذلك حين تنفق ناضب وقال يسلي معين الملك فضل الله في نكبته ويحضه على الصبر: (1) فصبرا معين الملك ان عن حادث * فعاقبة الصبر الجميل جميل ولا تيأسن من صنع ربك انه * ضمين بان الله سوف يديل فان الليالي إذ يزول نعيمها * تبشر ان النائبات تزول ألم تر أن الليل بعد ظلامه * عليه لأسفار الصباح دليل ألم تر ان الشمس بعد كسوفها * لها منظر يغشى العيون صقيل وان الهلال النضو يقمر بعد ما * بدا وهو شخت الجانبين ضئيل ولا تحسبن السيف يقصر كلما * تعاوره بعد المضاء كلول ولا تحسبن الدوح يقلع كلما * يمر به نفح الصبا فيميل فقد يعطف الدهر الأبي قياده * فيشفى عليل أو يبل غليل ويستأنف الغصن السليب مضاره * فيورق ما لم يعتوره ذبول ويرتاش مقصوص الجناحين بعد ما * تساقط ريش واستطار نسيل وللنجم من بعد الرجوع استقامة * وللحظ من بعد الذهاب قفول وبعض الرزايا يوجب الشكر وقعها * عليك وأحداث الزمان شكول ولا غرو ان أخنت عليك فإنما * يصادم بالخطب الجليل جليل وأي قناة لم ترنح كعوبها * وأي جسام لم يصبه فلول أسأت إلى الأيام حتى وترتها * فعندك أضغان لها وذحول وصارفتها فيما أرادت صروفها * ولولاك كانت تنتحي وتصول وما أنت الا السيف يسكن غمده * ليردى به يوم النزال قتيل أما لك بالصديق يوسف أسوة * فتحمل وطء الدهر وهو ثقيل وما غض منك الحبس والذكر سائر * طليق له في الخافقين ذميل فلا تذعنن للخطب آذاك ثقله * فمثلك للامر العظيم حمول وان امرءا تعدو الحوادث عرضه * ويأسى لما يأخذنه لبخيل ومن شعره قوله:
اما العلوم فقد ظفرت ببغيتي * منها فما احتاج ان أتعلما وعرفت أسرار الحقيقة كلها * علما أنار لي البهيم المظلما وورثت هرمس سر حكمته الذي * ما زال ظنا في الغيوب مرجما وملكت مفتاح الكنوز بحكمة * كشفت لي السر الخفي المبهما لولا التقية كنت أظهر معجزا * من حكمتي تشفي القلوب من العمى أهوى التكرم والتظاهر بالذي * علمته والعقل ينهي عنهما