مغطى بمنديل، فناوله الغلام إياه، وقال: اشربه فإنه قد أمرني أن لا أبرح حتى تشربه، قال: فتناولته فإذا فيه رائحة المسك وإذا شراب طيب الطعم بارد، فلما شربته، قال لي الغلام: يقول لك مولاي:
إذا شربت فتعال، فتفكرت فيما قال لي وما أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي، فلما استقر الشراب في جوفي فكأنني نشطت من عقال، فأتيت بابه واستأذنت عليه، فصوت إلي: صح الجسم أدخل، فدخلت عليه وأنا باك، فسلمت عليه وقبلت يده ورأسه، فقال: وما يبكيك يا محمد؟ فقلت: جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقة وقلة القدرة على المقام عندك أنظر إليك، فقال لي - إلى أن قال -: يا محمد إن الشراب الذي شربته فيه من طين قبور آبائي، وهو أفضل ما استشفي به فلا تعدو أدبه، فإنا نسقيه صبياننا ونساءنا، فنرى فيه كل خير، فقلت:
جعلت فداك إنا لنأخذ منه ونستشفي به، فقال: يأخذ الرجل فيخرجه من الحائر وقد أظهره، فلا يمر بأحد ممن به عاهة ولا دابة ولا شئ به آفة إلا شمه فتذهب بركته، فيصير بركته لغيره، وهذا الذي نتعالج به ليس هكذا، ولولا ما ذكرت لك ما تمسح به شئ ولا شرب منه شئ إلا أفاق من ساعته، وما هو إلا كالحجر الأسود أتاه أصحاب العاهات والكفر والجاهلية، وكان لا يتمسح به أحد إلا أفاق، وكان كأبيض ياقوتة فاسود حتى صار إلى ما رأيت، فقلت: جعلت فداك وكيف أصنع به؟ فقال: أنت تصنع به مع إظهارك إياه ما يصنع غيرك، تستخف به فتطرحه في خرجك (وفي أشياء دنسة خ) فيذهب ما فيه مما تريد به، فقلت: صدقت جعلت فداك، قال: ليس يأخذه أحد إلا وهو جاهل بأخذه، ولا يكاد يسلم للناس، فقلت: جعلت فداك وكيف لي أن آخذه كما تأخذه؟ فقال: أعطيك منه شئ؟ فقلت: نعم، قال: