منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٤ - الصفحة ٥٥
الثانية: أن مناط استحقاق العقوبة - وهو العزم على التمرد والطغيان - غير اختياري، لانتهائه إلى الشقاوة الذاتية التي لا تعلل.
وفي كلتا الدعويين ما لا يخفى، إذ في الأولى: أن الملتفت إليه أولا و بالذات هو نفس القطع، والالتفات إلى المقطوع به انما يكون بواسطته، فالقطع كالنور في كونه هو المرئي أولا وبالذات وأن الأشياء ترى بسببه، ومع أصالته في إضاءة الأجسام كيف يغفل عنه؟
نعم لا بأس بإنكار الالتفات التفصيلي غالبا، لكنه ليس إنكارا لأصل الالتفات ولو إجمالا، بل الالتفات التفصيلي في بعض الموارد كالأحكام الشرعية مما لا يقبل الانكار.
وبالجملة: فالفعل المتجري به من جهة مصداقيته لهتك حرمة المولى قبيح عقلا، ومنع قبحه لعدم كونه بعنوان مقطوع الحرمة اختياريا حيث إنه بهذا العنوان مغفول عنه غير سديد، لما مر آنفا.
وفي الثانية: أن مناط استحقاق العقوبة هو نفس الفعل المتجري به الذي هو فعل صادر بإرادة الفاعل واختياره، لما في نفسه من القيومية والقدرة على الفعل والترك، فهذه الإرادة من أفعال النفس، و قائمة بها نحو قيام صدوري، فان الله تعالى شأنه خلقها مختارة فيما تشأ من فعل شئ أو تركه، وليس المراد بالإرادة هنا هو الشوق المؤكد التي هي صفة نفسانية قائمة بها قياما حلوليا وخارجة عن الاختيار ومنتهية إلى الشقاوة الذاتية.
والحاصل: أن مناط اختيارية الفعل هو صدوره عن إرادة ناشئة من قيومية النفس التي هي بحسب خلقتها قادرة على الفعل والترك، و متعلق التكاليف هو الفعل الصادر عن هذه الإرادة، لا الإرادة المنتهية إلى الشقاوة الذاتية كما