منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ١ - الصفحة ٤٢٩
أما عدم منافاة توجيه مقتضيات الخير إلى العبد لاختياره فواضح، إذ المفروض توقف صدور الفعل مع تلك المقتضيات على اختياره، و أما عدم منافاة سلبها لاختياره مع توقف الفعل عليها فلان العبد لما ترك الخير باختياره، وصرف ما أفاض عليه ربه من مقتضيات الخير في غير محله، واختار من الشقاوة مرتبة لا يليق معها بتوفيق الطاعة وبعد المعصية - سلب - الله تعالى عنه تلك المقتضيات، و أوكله إلى نفسه الجانية الامارة بالسوء.
الطائفة الرابعة: الآيات التي ادعيت صراحتها في اضطرار العباد في أفعالهم وتروكهم، كقوله تعالى في سورة الأنفال: (وما رميت إذ رميت، ولكن الله رمى) فإنه كالصريح في كون فاعل الرمي هو الله تعالى، وليس ذلك إلا الالجاء، والجواب عنه: أن إسناد الرمي إليه تعالى مع أن الرامي هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا بد أن يكون لنكتة، إذ لو كان الاسناد على وجه الحقيقة لزم التناقض، لأنه تعالى أسند الرمي أولا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أسنده إلى نفسه تعالى، فالاسناد الثاني يكون لعناية وهي كون الرمي و الغلبة على الكفار من معجزاته صلى الله عليه وآله، لئلا يتفاخر المسلمون بعضهم على بعض بأنه ظفر على الكفار بقتلهم وأسرهم، قال في مجمع البيان: (ذكر جماعة من المفسرين كابن عباس وغيره: أن جبرئيل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وآله يوم بدر: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لما التقى الجمعان لعلي عليه السلام: أعطني قبضة من حصا الوادي، فناوله كفا من حصا عليه تراب، فرمى به في وجوه القوم، وقال:
شاهت الوجوه، فانهزموا، فعلى هذا إنما أضاف الرمي إلى نفسه، لأنه لا يقدر