التزاحم في شئ - وبعبارة أخرى - ان دليل حجية الخبر، اما بناء العقلاء، أو الآيات، والروايات، والمتيقن من بناء العقلاء غير المتعارضين، وظاهر الآيات والروايات لو لم نقل حجية الخبر الذي يظن بموافقته للواقع، هو الخبر الذي لم يعلم اجمالا أو تفصيلا بعدم مطابقته للواقع، وعلى هذا فلا مقتضى للسببية فيهما، فالتمانع بين الحكمين في مقام الجعل لا في مقام الامتثال فلا يكون من باب التزاحم.
ثم قال لو سلمنا وجود المقتضى للسببية فيهما وكونهما سببين لجعل حكمين ظاهريين، فإنما هو فيما إذا قاما على حكمين الزاميين، كوجوب ضدين، ووجوب فعل وحرمته، وأما إذا قام أحدهما على حكم الزامي والآخر على حكم غير الزامي لا يكون من باب التزاحم، إذ ما لا اقتضاء فيه لا يصلح ان يزاحم ما فيه الاقتضاء.
وان قيل إن الحكم غير الإلزامي الثابت بالامارة ظاهرا انما هو حكم غير الزامي ناش عن الاقتضاء له لا عن اللا اقتضائية فيزاحم حينئذ الحكم الإلزامي.
أجبنا عنه بأنه حينئذ يحكم فعلا بغير الإلزامي لكفاية عدم تمامية الإلزامي للحكم بغير الإلزامي، نعم لو قلنا بوجوب الالتزام بما يؤدى إليه من الاحكام كان الخبران الدالان على حكم الزامي وحكم غير الزامي من قبيل المتزاحمين بالنسبة إلى وجوب الالتزام لكنه لا دليل عليه.
ولكن يرد على المحقق الخراساني، ما تقدم من أن العلم الاجمالي، لا يصلح مانعا، فإنه لا يوجب معلومية كذب أحدهما المعين، فكل منهما محتمل للصدق والكذب، فيشمله دليل الحجية، وليسا هما معا موضوعا واحدا للحجية كي يقال نعلم بعدم مطابقة ما يجعل له الحجية، للواقع، فراجع ما ذكرناه.
فالصحيح ان يقال، انه بناءا على القول بالسببية بالمعنى الثالث، فتارة تكون الامارتان، مؤديتين إلى وجوب الضدين، بان تكون إحداهما دالة على وجوب أحد الضدين، والأخرى مؤدية إلى وجوب الضد الآخر، وأخرى تكون إحداهما مؤدية إلى حكم الزامي كالوجوب والأخرى مؤدية إلى حكم الزامي آخر ضده كالحرمة، وثالثة، تكون إحداهما مؤدية إلى وجوب شئ والأخرى مؤدية إلى وجوب شئ آخر، وعلمنا