وهل يجرى الاستصحاب في أحدهما، أم لا؟ وجهان، المشهور انه لا يجرى لان جريانه في أحدهما المعين دون الآخر ترجيح بلا مرجح، واحدهما لا بعينه ليس فردا ثالثا، فلا يجرى الاستصحاب في شئ منهما، ولكن الأظهر هو جريانه في أحدهما تخييرا، ويظهر ذلك مما ذكرناه مفصلا في أول مبحث الاشتغال واجماله: ان مقتضى القاعدة في تعارض الأصول هو القول بالتخيير من جهة ان لكل دليل من الأدلة، عموم افرادي، واطلاق أحوالي، فإذا دل الدليل على تخصيص العموم الافرادي وانهما لا يجريان معا، ودار الامر بين تقييد الاطلاق الأحوالي لكل منهما بان لا يجرى مع جريان الآخر، وبين عدم العمل بالاطلاقين رأسا، يكون الأول مقدما لان الضرورات تتقدر بقدرها، وقد مر تفصيل القول في ذلك، وسيجئ في مبحث التعادل والترجيح من أن مقتضى القاعدة في تعارض الامارات أيضا هو القول بالتخيير، وعليه فالمتعين هو البناء على التخيير.
وان لم يلزم من جريانهما معا مخالفة عملية، ولم يدل دليل على عدم جريانهما معا، فان ترتب الأثر على أحدهما، دون الآخر جرى ذلك خاصة، وإذا ترتب الأثر عليهما، كما في المائين المعلوم نجاستهما سابقا إذا علم طهارة أحدهما، واشتبه أحدهما بالآخر، فان مقتضى الاستصحاب البناء على نجاسة كل منهما، ولا يلزم من جريانهما مخالفة عملية قطعية يجريان معا لما مر في مبحث الاشتغال من أن المانع من جريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي لزوم المخالفة القطعية العملية، ومع عدمه لا مانع من جريان الأصول فيها.
وقد استدل لعدم جريان الاستصحاب بالخصوص وان لم يلزم المخالفة العملية بوجهين.
أحدهما: ما افاده الشيخ الأعظم (ره) وهو ان جملة من اخبار الاستصحاب مذيلة بقوله (ع) ولكن انقضه بيقين آخر، وعليه، فبما ان مورد العلم الاجمالي، مشمول للصدر والذيل، ومقتضى الصدر جريانه في كل من الطرفين للشك في بقاء الحالة السابقة فيه، ومقتضى الذيل وجوب نقض اليقين بأحدهما، فلا يمكن ابقاء كل منهما تحت عمومه لمحذور المناقضة، ولا ابقاء أحدهما المعين للزوم الترجيح بلا مرجح، ولا أحدهما