في جميع موارد الشك في الامتثال والسقوط، فان عدم حصول الامتثال وعدم السقوط ضيق وكلفة على المكلف، كما أن حصول الامتثال والسقوط توسعة، فلو اكتفينا في جريان البراءة بمجرد كون المشكوك فيه مما يوجب الضيق والكلفة، كان اللازم جريان البراءة عند الشك في سقوط الأمر الصلاتي مثلا بالصيام، وهو كما ترى! وليس ذلك إلا من جهة أنه يعتبر في أصالة البراءة - مضافا إلى كونها موجبة للتوسعة ورفع الكلفة - أن يكون المشكوك فيه أمرا وجوديا تناله يد الوضع والرفع التشريعي ولو كان من توابع نفس التكليف وخصوصياته أو من توابع متعلقه وقيوده، ولذلك كان الأقوى عندنا جريان البراءة عند الشك في الأقل والأكثر الارتباطيين، سواء كان المشكوك فيه جزءا أو قيدا، كما أوضحناه في محله.
وحاصل الكلام: أن الكلفة والضيق الذي يراد رفعه بالبرائة إنما هو الضيق الجائي من قبل جعل التكليف وتشريعه، بحيث يكون الجعل متضمنا لكيفية توجب الضيق وتوقع المكلف في الكلفة، ولابد أن تكون تلك الكيفية وجودية ليمكن رفعها عند الشك فيها وأن يكون في رفعها منة وتوسعة على العباد، وهذا هو الضابط الكلى الذي لابد من رعايته في جميع الموارد التي تجرى فيها البراءة.
ومنه: يظهر أنه لا مجال لتوهم جريان البراءة عند الشك في التعيين والتخيير، لأن صفة التعيينية المشكوكة ليست من الأمور الوجودية المجعولة