وفي هذه الرتبة - أي رتبة سقوط البراءة - تجرى مقدمات الانسداد ويستقل العقل بلزوم العمل على طبق الظن كشفا أو حكومة، فلا تصل النوبة إلى جريان البراءة ولو في مسألة واحدة مطلقا، لا قبل رتبة جريان مقدمات الانسداد - لاستقلال العقل بلزوم الفحص عن الحكم فيها - ولا بعدها، لاستقلال العقل بلزوم العمل بالظن مع حصوله فيها.
فظهر: أن العقل بنفسه أيضا يستقل بعدم جواز الرجوع إلى البراءة في كل مسألة مسألة مع قطع النظر عن العلم الإجمالي، ويمكن أن يكون مدرك قيام الإجماع على عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة هو هذا الحكم العقلي، وإن أبيت إلا عن أن يكون الإجماع على حكم شرعي تعبدي، فهذا الوجه بنفسه - كالعلم الإجمالي - يقتضى عدم جواز الرجوع في كل واقعة واقعة إلى البراءة، وإن أبيت عن ذلك أيضا - بدعوى: أن المفروض انسداد باب العلم والعلمي وعدم التمكن من تحصيل الواقع أو ما يقوم مقامه ومعه يستقل العقل بالبرائة وقبح العقاب بلا بيان في كل مسألة مسألة إلا أن يتشبث بذيل الإجماع التعبدي على عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة والرجوع إلى البراءة فيها أو بلزوم الخروج عن الدين أو بالعلم الإجمالي فلو لم تكن هذه الوجوه الثلاثة لم يكن موقع لدليل الانسداد واستنتاج حجية الظن كشفا أو حكومة لاستقلال العقل بالبرائة بعد انسداد باب العلم والعلمي - فيكفي في عدم جواز الرجوع إلى البراءة في كل مسألة مسألة نفس العلم الإجمالي.
فتحصل: أنه لو كان الوجه في بطلان الاحتياط هو استلزامه العسر والحرج وكان الوجه في عدم جواز الرجوع إلى البراءة في الوقايع المشتبهة هو لزوم المخالفة الكثيرة القطعية، لم يكن مجال لدعوى كون النتيجة كلية من حيث المورد والسبب والمرتبة (1) لأن أقصى ما يقتضيه العسر والحرج ولزوم المخالفة