قوله - صلى الله عليه وآله - لا ضرر (بناء على أن يكون من نفى الحكم بلسان نفى الموضوع) هو نفى حرمة الضرر، وهو كما ترى يلزم منه عكس المقصود، فان المقصود منه عدم وقوع الضرر لا عدم حرمته والترخيص فيه، وأما العسر والحرج فليس له حكم حتى يكون النفي بلحاظه.
وثانيا: أن توهم كون المفاد نفى الحكم بلسان نفى الموضوع إنما يكون له سبيل في مثل قوله - صلى الله عليه وآله - " لا ضرر ولا ضرار " وأما قوله تعالى:
" وما جعل عليكم في الدين من حرج " فهو مما لا سبيل إليه، فان النفي فيه ورد على " الدين " وهو عبارة عن الأحكام والتكاليف الشرعية، فمعنى قوله تعالى: " وما جعل عليكم في الدين من حرج " هو أنه لم يجعل في الأحكام حكما حرجيا، فالنفي من أول الأمر ورد على الأحكام، لا على الموضوع حتى يتوهم أنه من نفى الحكم بلسان نفى الموضوع.
وثالثا: أن نفى الحكم بلسان نفى الموضوع أيضا يكون من أحد أقسام الحكومة إذا كان من النفي التركيبي بمفاد " ليس الناقصة " كقوله - عليه السلام - " لا شك لكثير الشك " و " لا سهو في السهو " ونحو ذلك، فمجرد كون مفاد الدليل نفى الحكم بلسان نفى الموضوع لا ينافي الحكومة.
وليس الغرض في المقام تفصيل الكلام في أقسام الحكومات فإنه قد استقصينا الكلام في ذلك في رسالة مفردة، بل المقصود مجرد التنبيه إلى أن الوجه في تقديم أدلة نفي العسر والحرج على أدلة الأحكام إنما هو الحكومة، ولولا ذلك لم يكن وجه للجمع بينهما بتقديمها عليها عرفا، فان الجمع العرفي لابد وأن يكون عن منشأ: من الحكومة أو قوة الظهور ونحو ذلك مما يأتي البحث عنه في مبحث " التعادل والتراجيح " ولا سبيل إلى دعوى أظهرية أدلة نفي العسر والحرج من أدلة الأحكام، مع أن النسبة بينها وبين آحاد أدلة الأحكام العموم من وجه، فلا وجه لتقديمها عليها إلا الحكومة. وقد عرفت: أنه بعد تسليم الحكومة لا محيص عن التبعيض في الاحتياط فيما نحن فيه إذا كان المستند في