فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٣ - الصفحة ١٦١
دلالتها على المنع عن الظن الحاصل من الخبر الواحد بالعموم، فلابد من تخصيصه بما سيأتي من الأدلة الدالة على جواز العمل بخبر الواحد، بل نسبة تلك الأدلة إلى الآيات ليست نسبة التخصيص بل نسبة الحكومة، فان تلك الأدلة تقتضي إلقاء احتمال الخلاف وجعل الخبر محرزا للواقع، فيكون حاله حال العلم في عالم التشريع، فلا يمكن أن تعمه الأدلة الناهية عن العمل بالظن لنحتاج إلى التخصيص، لكي يقال: إن مفاد الآيات الناهية آبية عن التخصيص، هذا في غير السيرة العقلائية القائمة على العمل بالخبر الموثوق به.
وأما السيرة العقلائية: فيمكن بوجه أن تكون نسبتها إلى الآيات الناهية نسبة الورود بل التخصص، لأن عمل العقلاء بخبر الثقة ليس من العمل بالظن، لعدم التفاتهم إلى احتمال مخالفة الخبر للواقع، فالعمل بخبر الثقة خارج بالتخصيص عن العمل بالظن، فلا تصلح الآيات الناهية عن العمل به لأن تكون رادعة عن السيرة العقلائية القائمة على العمل بخبر الثقة (1)

(1) أقول: لا يخفى أن السيرة العقلائية بالنسبة إلى أمور معادهم الذي من هذه الجهة يدخل في السيرة المتشرعة فلا شبهة أن أصل استقراره منوط بعدم رادعية الآيات الناهية عنها، فمهما استقرت يستكشف بأنه لا يكون في البين رادع ولا مانع بأي وجه.
وأما سيرتهم في أمور معاشهم فحجيته مبنى على إمضاء الشارع إياهم في الشرعيات أيضا، كما هو الشأن في سيرتهم في أمر معادهم بمذهبهم الخارجة عن مذهبنا، فان حجيته أيضا مبنى على إمضاء لهم، ففي هذه الصورة لا تصلح هذه السيرة مخصصة ولا ورودا ولا حكومة على الآيات الناهية، لأن هذه الجهات بعد الفراغ عن حجيتها، وهذه الجهة مبنية على عدم رادعية الآيات الناهية، فعدم رادعيتها يقع في الرتبة السابقة عن حجيتها، لأنه بمنزلة شرطها، ففي الرتبة السابقة المزبورة أصالة العموم في النواهي محكمة، فيخرج مثله عن الحجية، وحينئذ كيف يشكل الدور في الرادعية؟ مع كون عدمها شرطا في حجيتها وحجيتها موجب لورودها، فمرتبة ورودها أو حكومتها على الآيات قهرا متأخرة عن الحجية المتأخرة عن عدم الرادعية، ولازمه تأخر نقيضه من الرادعية في الرتبة السابقة، وحينئذ يستقر الدور المزبور من طرف التخصيص أو الورود، لا العكس، كما لا يخفى.
ومن جهة ذلك نقول - وسيأتي في محله - إن ما يصلح للحجية والتشبث به في حجية أمارة إنما هو السيرة العقلائية المستقرة في أمورهم الشرعية على وفق مذهبنا، إذ هو الذي لا يكاد ردع الآيات لها، لأن نفس وجودها ملازم لعدم مانعية الآيات، بلا احتياج حجيتها على عدم رادعية الآيات، بخلاف السيرة العقلائية الجارية في أمورهم الغير الراجعة إلى شرعيات مذهبنا، فان حجيتها مبنية على إمضاء الشارع الملازم مع عدم ردعه.
ولئن شئت قلت: إن ما أفيد من الدور في الرادعية إنما يتم في فرض اقتضاء الحجية في نفس السيرة وأن الردع مانع عنه، فإنه لابد وأن يكون المانعية تعليقية، فلا محيص من تأثير المقتضى التنجيزي أثره، فيرفع موضوع المانعية والرادعية، وأما لو قلنا: بأن قوام حجيتها بامضاء الشارع بحيث لولاه لا اقتضاء في نفس بنائهم للحجية وأن الإمضاء المزبور متمم لاقتضائه، فلا يكون اقتضائها للحجية إلا تعليقيا، ومع هذا الوصف لا محيص من تشكيل الدور في طرف المخصصية، لا الرادعية، فتدبر في أمثال المقام، كي لا يختلط عليك الأمر.
(١٦١)
مفاتيح البحث: الظنّ (1)، الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»
الفهرست